كتبت عام 2013 مقالاً في «الأخبار» بعنوان «أزمة وطن وليست أزمة مستشفى»، في معرض النقاش حول أزمة في «مستشفى حمود» في صيدا. ما كتبناه منذ سبع سنوات ونيّف ظهرت نتيجته الآن: وجد المستشفى من يستحقّ أن يحمل أمانته وأن يتابع مسيرته، بإذن الله، والحدث سعيد بحد ذاته، أي من دون الدخول في العواطف والتحليلات الضيقة، وبعضها قد يعبّر عن أمراض نفسية تصعب معالجتها في الظروف الراهنة.وذلك أن الإنسان أولا: بمعنى أنني قد أتمنى، على المستوى الشخصي مثلاً، أن يبقى هذا المستشفى مباشرة في أيدي أبناء العائلة، وفيهم عدد وافر من الأطباء والاداريين الناجحين، فضلا عن العلاقات الاجتماعية الواسعة التي يفترض أن تؤمن لهذه المؤسسة استمرارية... ولكن، كما ذكرنا منذ سنوات، فإن الأزمة هي أزمة وطن تتراجع إمكانياته المالية بشكل كارثي، وتمتنع الجهات الضامنة عن الدفع، ولو دفعت فستدفع بعملة فقدت ثلاثة أرباع قيمتها أو يزيد الخ... فضلا عن المرض الذي داهم المؤسس الموهوب د. غسان حمود، شفاه الله وعافاه وأمدّ بعمره، فكان لا بد من البحث عن الاستمرارية. فالإنسان أولاً قبل المعايير العائلية والجهوية والطائفية والمذهبية، الإنسان الذي كرّمه الله، وجعلت الشريعة الإسلامية في سلم أولوياتها في ما يسمى «مقاصد الشريعة» الحفاظ عليه، فهنيئا لمن يستطيع أن يرتفع إلى مستوى المشاعر الإنسانية السامية بعيدا عن ضيق العصبية والتخلّف والانغلاق. بل أن تبقى مؤسسة ناجحة بهذا الحجم مستمرة، هي مكافأة للمؤسس وللعائلة التي ساهمت بالتأسيس، بخاصة إذا نظرنا إلى المؤسسات الكبرى في العالم التي تحمل أسماء لامعة وتنتقل من مالك إلى مالك من دون أن تفقد بريقها ودورها.
وهنا يُطرح دور الاغتراب اللبناني، حيث الطاقة البشرية والمادية التي ستؤمن لهذا الصرح الكبير الاستمرارية، وتؤكد من جديد، وقبل أن نصل إلى نفطنا وغازنا في بحرنا، أن الاقتصاد اللبناني قام وتجدد واستمر بجهود المغتربين، ما بخلوا على بلدهم وما نسوه، وما انشغلوا عنه رغم ما ألمّ به من مشاكل وحروب. وبتساؤل بسيط: ان كان عدد المغتربين اللبنانيين المرتبطين بالوطن يفوق عدد المقيمين في لبنان، أليس من المنطق أن يكون اقتصاد لبنان قائما عليهم؟
وهنا نقول: اللبناني ناجح في الخارج مبدع، فهل يستطيع الإبداع إذا عاد إلى الوطن واستثمر فيه؟ نعم بالتـأكيد. ولكن على المقيمين واجبات أيضا، وهي كثيرة، منها على سبيل المثال: عدم البكاء والتباكي، بل العمل بجد وإخلاص، ونظرة واعدة للمستقبل القريب، كما البعيد...
كان هناك كثير مما يمكن أن يُعمل لو كان هناك صدق في تلك المواقف...
هذا الصرح اليوم في أيد أمينة، بإذن الله، والحياة استمرارية، والقوي يضع الأساسات الثابتة التي يُبنى عليها، وكذلك الذي يبني على ما تأسس، إلى الأمام إن شاء الله.
وسيبقى هذا الصرح صرحاً طيباً انسانياً متقدماً بإذن الله تعالى رغم الظروف اللبنانية الضاغطة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا