تعمّدت الإمارات أن تُكسِب زيارة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الأخيرة إليها، دلالة بارزة. عادَ إبراهيم حاملاً معه انفراجة في ملف الموقوفين اللبنانيين لديها. ملف عمره أكثر من سنتين، لم يكُن مُمكناً عزل بداية حلحلته عن الموقِف الإماراتي من الأزمة اللبنانية، ليسَ من زاوية مسارها المحكوم بأفق مسدود وحسب، بل من ناحية التمايز عن الموقف السعودي، في ظل معلومات تتحدث عن تنسيق إماراتي - فرنسي للمساعدة في الحل.فورَ عودته، قبلَ أيام، من زيارة لم تكن مُعلنة إلى الإمارات، أعلن إبراهيم في مقابلة مع قناة «الحرّة» الأميركية أن «قضية بعض اللبنانيين الموقوفين في الإمارات ستشهد انفراجة»، قصدَ بها إطلاق سراح عدد منهم. أول المفرَج عنهم كانَ المواطن زيد الضيقة الذي وصل إلى بيروت على متن طائرة طيران الشرق الأوسط الآتية من دبي ظهر أمس، بعد توقيف امتد لأربعة أشهر. ومن المفترض أن يبدأ الآخرون بالوصول تباعاً وعددهم 10 موقوفين (إضافة إلى الضيقة)، إذ كشف إبراهيم أن عدد المعتقلين وصل إلى 30، وأن نحو نصفهم سيعود إلى لبنان، بعد وساطات امتدت لسنتين مع مسؤولين إماراتيين. وتوقعت مصادر مطلعة أن يتم الإفراج عن الموقوفين العشرة الآخرين، تباعاً، في اليومين المقبلين. أما باقي المعتقلين، سواء الذين صدرت بحقهم أحكام، أم المحالون إلى المحاكمة، فلا تزال قضيتهم عالقة.
تقاطَعت مفارقات عديدة في توقيت هذه الزيارة. فالمعطيات التي أحاطت مسعى إبراهيم، تنبئ بمناخ جديد تُحاول الإمارات ضخّه تجاه لبنان بعدَ فترة طويلة جداً من الجفاء. فقبل زيارة المدير العام، فتحَت الإمارات أبوابها أمام رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الذي قصدها أكثر من مرة في الأشهر الماضية، وارتبطت بسفره إليها معلومات عن هبة إماراتية عبارة عن مليون جرعة من لقاح ضد كورونا. وبمعزل عمّا إذا كانَت الإمارات ستلبّي طلب الحريري أو لا، فإن مجرّد وجود الحريري في الإمارات يُمثّل علامة في السياسة، بعد أن اتسمت علاقته بوليّ عهد أبو ظبي (الحاكم الفعلي للإمارات) محمد بن زايد بالجفاء.
ثم جاءت زيارة إبراهيم، وما نتج عنها في ملف الموقوفين، الذي تؤكّد مصادِر بارزة أنه «ليسَ نتيجة لصفقة ما»، لتؤكد أن أبو ظبي تريد بث أجواء جديدة حيال لبنان. تقول المصادِر إن «إبراهيم الذي يعمَل على هذا الملف منذُ عامين رأى أن التغيرات الإقليمية والدولية تتيح حل أزمة الموقوفين، فبعث برسالة إلى الإمارات. ولما أتاه جواب إيجابي، قصد أبو ظبي».
ويعزّز هذا الكلام، ما علمته «الأخبار» من معطيات تفيد بأن زيارة إبراهيم للإمارات لم تُكن محصورة بملف الموقوفين، بل أيضاً بالملف اللبناني ككل، وتحديداً الحكومة، فكانَ لافتاً «انفتاح المسؤولين الإماراتيين في ما خصّ مقاربتهم لمجمل الوضع اللبناني، وفي موضوع الحكومة، على قاعدة إيجاد مخرج سريع لها»، علماً بأنهم وقفوا خلف الأميركيين والسعوديين في سياسة محاصرة لبنان. فما الجديد؟
بعد انتخاب الرئيس الأميركي جو بايدن، تحرّك الفرنسيون لإنقاذ مبادرتهم في لبنان. اتجهوا إلى الخليج لجس النبض في ما خصّ الأزمة اللبنانية. وعلى عكس الباب السعودي الذي كانَ مقفلاً، فتحَ الإماراتيون بوابتهم أمام باريس التي تقول المعلومات إنها أوفدت رئيس جهاز الاستخبارات الفرنسية برنارد إيمييه للاستفسار عمّا إذا كانَ هناك مجال للتعاون، ولم يأته الجواب سلباً.
الشكوك تبقى كبيرة في نيّات الإمارات وإمكانياتها بشأن حل الأزمة اللبنانية ككل


الموقِف الإماراتي المُستجدّ ليسَ تفصيلاً، ولا منفصِلاً عن مسار الأحداث الأخيرة في المنطقة. فالتمايز عن الرياض لم يبدأ من اليمن، كما أنه لم ينته عند المصالحة الخليجية التي جُرّت إليها أبو ظبي على مضض.
في كل الأحوال، ثمّة من يضع إطلاق سراح الموقوفين اللبنانيين في الإمارات، ضمن إطار «سياسة تحسين الأخيرة لصورتها الملطّخة بجرم التطبيع مع العدو الإسرائيلي، والمساعدة في تخفيف التوترات لأجل تنظيف سجلها».
لكن كي لا تختلِط الواقعية بالمبالغات في الرهان على دور إماراتي، لا بدّ من الإشارة إلى نقطتين: الأولى، عدم اتضاح موقف المملكة العربية السعودية حتى الآن من الأزمة اللبنانية، ما يُمكِن أن يحدّ من قدرة الإمارات على التحرك.
والثانية، هل يُمكِن للإمارات التي صاغَت اتفاق التطبيع - التحالف مع «إسرائيل»، وقد باتَت تجمعهما بيئة أمنية واستراتيجية، أن تساعِد فعلاً في إنقاذ المبادرة الفرنسية والدفع في اتجاه تأليف حكومة يكون حزب الله جزءاً منها؟ الشكوك تبقى كبيرة في نيّات الإمارات وإمكانياتها، ولا سيما في ظل عدم تبلور أفق فعلي لسياسة الأميركيين الجدد في البيت الأبيض تجاه المنطقة حتى الآن.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا