لا تكاد سيرة الأدوية تخبو، حتى تعود إلى الواجهة من جديد. «حكايات» الناس عن «الدوران» على أدويتهم في الصيدليات باتت جزءاً من اليوميات التي فرضتها الأزمة المالية ــــ الاقتصادية في البلاد. وفي كل مرّة، ثمّة قصة تروى عن دواء فقد تماماً من السوق وآخر قد يفقد بين لحظة وأخرى. آخر هذه «الحكايات» ما يعانيه الناس والصيادلة مع دواء «بنادول» الذي اختفت بعض أنواعه عن رفوف الصيدليات. فبعدما كان هذا الأخير هو الدواء «الملك» في البيوت، صار «عملة نادرة» وبات يُشترى بـ«الظرف»، بسبب امتناع معظم الصيادلة عن بيع علب كاملة، «لإتاحة المجال أمام أكبر عدد من المرضى للاستفادة منه»، على ما تقول إحدى الصيدلانيات، وخصوصاً مع «النهج» الجديد الذي تتبعه شركة «سادكو»، الوكيل الرسمي لـ«بنادول» في لبنان. إذ تعمد إلى إعطاء كل صيدلية حاجتها مرة واحدة في الشهر. وفي هذا الإطار، يشير أحد الصيادلة إلى أنه «منذ فترة، بدأت الشركة بالتقنين، فمثلاً أصبح كل صيدلي محكوماً بطلبية واحدة في الشهر»، مشيراً إلى أن «الكميات التي نتلقاها اليوم من البنادول توازي نصف ما كنا نأخذه سابقاً، لذلك نمتنع اليوم عن إعطاء علبة كاملة من الدواء».تتحدث مصادر شركة «سادكو» عن مسار بات أمراً واقعاً منذ نحو خمسة أشهر، وتحديداً «في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي، حيث التزمنا بإعطاء كل صيدلي المعدلات نفسها التي كان يصرفها العام الماضي، بلا زيادة ولا نقصان»، مشيرة الى أن الشركة «تعتزم زيادة 10% لكل طلبية». وتؤكد أن هذا الإجراء له هدف واحد «هو لنضلّ قادرين نأمّن الدوا». وتفرّق المصادر بين موعدين للطلبيات، لافتة إلى أنه «بالنسبة إلى الصيدليات الصغيرة، نصرف الطلبية عن شهر كامل، أما في الصيدليات الكبيرة فغالباً ما نتواصل معها كل أسبوع للسؤال عن حاجاتها، وهذه الأخيرة تشكّل ما نسبته 70% من مبيعات السوق».
لكن، هل تكفي تلك الكميات اليوم؟ بالنسبة إلى الصيادلة، لا تشبه طلبيات هذا العام ما كانت عليه العام السابق، وخصوصاً أن «المرضى الذين كانوا سابقاً يقدّرون بـ 100 صاروا اليوم 400». هذا الأمر يغيّر المعادلة. أما بالنسبة إلى الشركة، فمعادلة أخرى تفرض نفسها اليوم وهي انتظار المعاملات في مصرف لبنان، وما تفرضه تعليمات المركزي «لناحية الطلب بأن لا تتخطّى الكميات ما كانت عليه العام الماضي»، و«ما يفرضه علينا الستوك». إذ يشير مصدر «سادكو» إلى أن «الكميات الموجودة اليوم في ستوك الشركة تكفي لـ 23 يوماً كحدّ أقصى». وهذه المدة لا تطال كل أنواع البنادول، إذ إن هناك «أنواعاً يكفي الستوك فيها ستة أيام مثل بنادول الـ 24 حبة و21 يوماً للبنادول الـ 72 حبة»، فيما هناك أنواع أخرى مقطوعة منذ شهرين «مثل بنادول نايت». ثمّة سبب إضافي يدفع الشركة إلى «الترشيد»، وهي حال المواد الخام التي تستخدم لإنتاج هذا الدواء «إذ إن الشركة الأمّ لهذه المواد هي الأخرى تعمد إلى التقنين وخصوصاً في ظل زيادة الطلب العالمي عليها». لكل هذه الأسباب، تعمد الشركة الى تلك الإجراءات لتخطّي «تلك المرحلة الحرجة».
التهافت على البنادول وغيره من الأدوية يفوق الطلب بـ 5 أو 6 أضعاف


من جهته، يختصر نقيب الصيادلة في لبنان، غسان الأمين، الوضع بالقول إن «التهافت اليوم على البنادول وغيره من الأدوية يفوق الطلب بـ 5 أو 6 أضعاف». وفي عزّ الوضع الراهن، ستبقى تلك المعادلة على حالها، إذا ما أضيفت إليها المعاملات العالقة في مصرف لبنان وهلع الناس. بحسب الأمين، كان يمكن تفادي هذه المشكلة «بنسبة 90%»، في حالة واحدة «لو أن مصرف لبنان قال للناس إنه لن يرفع الدعم عن الأصناف التي تشبه البنادول، لأن العملية ما رح تكلفوا شي». ينطلق الأمين في ذلك من الدراسة التي أجراها أخيراً وانتهت إلى خلاصة مفادها أن «الأدوية التي يتهافت عليها الناس ومنها البنادول وأدوية الكورونا والقلب والضغط والسكري والكوليسترول لا تشكل أكثر من 400 مليون دولار من أصل فاتورة استشفائية تبلغ ملياراً و450 مليون دولار».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا