رصد القاضي جمال الحجار، في جواب المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت فادي صوان، على طلب الردّ، اعترافين منه بالخروج عن المفترضات والمسلّمات التي يقتضي بالقاضي، أيّ قاضٍ، أن يلتزم بها. فكم بالحري به أن يلتزم بها وهو يتولّى التحقيق في قضيةٍ على هذه الدرجة من الخطورة والأهمية والحساسية، وهي من أخطر القضايا التي ينظر فيها القضاء اللبناني، بعدما تسبّب هذا الانفجار باستشهاد 200 شخص وجرح الآلاف ونكبة بيروت.الاعتراف الأوّل، تمثّل في إقرار القاضي صوان بأنّ شقته في الأشرفية تضرّرت جرّاء الانفجار، وبأنه قبض تعويضاً من الجيش عن تلك الأضرار، ما يجعله في مركز المتضرّر من جرم. فكيف يُعقل ويصحّ أن يكون الشخص متضرّراً من جرم وفي الآن عينه أن يقبل وأن يستمر في مهمّة القاضي المحقق في هذا الجرم؟ إذ إن المناقبية كانت تفرض عليه أن لا يقبل في الأصل مهمّة محقق عدليّ في هذه القضية. وهذا ما جعل القاضي الحجار ينتهي إلى أن ثمّة سبباً يوجب نقل الدعوى من تحت يدي القاضي صوان لعدم جواز أن يتولى المتضرر من جريمة دور التحقيق فيها، وهذا من أبسط قواعد المحاكمة العادلة.
أمّا الاعتراف الثاني، فتمثّل بإعلان القاضي صوان جهاراً، في جوابه ولوائحه المقدّمة منه ردّاً على طلب نقل الدعوى، أنه لن يحترم الحصانات (مع أنني ضد الحصانات حيث يجب أن يُحاكم كائناً من كان أمام القاضي)، أي أنّه مصرٌّ على مخالفة الأحكام القانونية والدستورية، ما جعل القاضي الحجّار ينتهي إلى أن إعلان القاضي صوان أنه سوف يخالف أحكام القانون والدستور يُسقط أهليته للاستمرار في تولّي التحقيق ويوجب نقل القضية إلى مرجع آخر، لأن من أبسط حقوق المدعى عليه أن يتولّى التحقيق معه قاضٍ يلتزم بالأحكام القانونية والدستورية لا قاضٍ يعلن صراحةً أنه لن يلتزم بها ويصرّ على مخالفتها.
بالنتيجة، فإن القاضي الحجار بنقله الدعوى للارتياب المشروع من بين يدي القاضي صوان يكون قد أدان هذا الأخير من فمه. وهل يكون، وهو طبيب الأسنان السابق - خريج الجامعة اليسوعية وفرنسا - قد قلع مجازياً أسناناً كانت لتفتك بالعدالة الضائعة في بلادنا؟! وهل تكون تنحية صوان تطييراً للتحقيق؟ ولو أنّ كُثراً لا يثقون بالقضاء، إلّا أنّ قرار التنحية إجراء يستوجب تعيين محقّق عدلي جديد تقترح اسمه وزيرة العدل ويوافق عليه مجلس القضاء الأعلى.