على حبال مُتعدّدة، يسير رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري. شكلّت الانتخابات الأميركية الأخيرة، وما نتَج منها، نقطة تحوّل بالنسبة إليه. صحيح أن الإدارة الجديدة في البيت الأبيض ليست إلى جانبه، ولا تعتبره رأس حربة لمشروعها، إلا أن النقطة الإيجابية حتى الآن، هي في أن لبنان ليس على لائحة أولوياتها، ولا يُعدّ شغلها الشاغِل. يعني ذلِك أن لا لائحة مطالب أميركية عاجلة مفروضة عليه، كما كانت الحال مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، ما أسقطَ جزءاً من الأحمال عن ظهره، بعدما خفّت وطأة الضغوط والتهديد بالعقوبات، كما شعوره بالالتزام نحوها ببعض الوعود.اتضح هذا البُعد بقوة، بعدما «دبَّ» فيه النشاط السياسي، وبدأ القيام بجولات خارجية، تحوّلت إلى محور رصد سياسي دقيق، ولا سيما أنه افتتحها في الإمارات، قبل أن تحمله زيارات أخرى الى تركيا ومصر وباريس، ومن ثمّ قطر، مع معلومات تتحدّث عن عودة إلى أبو ظبي وزيارات محتملة للكويت وعُمان.
لم تخرُج القوى السياسية بخلاصات إيجابية لهذه الحركة، تتعلق بأزمة تشكيل الحكومة. لكن وسط الجمود السياسي الداخلي، أراد الحريري لجولاته هذه أن تعزّز حملة الترويج له، باعتباره رئيس الحكومة الوحيد القادِر على كسر «عزلة لبنان»، من جهة. ومن جهة أخرى، ترميم علاقته مع الدول العربية كي يقول لخصومه في معركة تشكيل الحكومة، أي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والوزير جبران باسيل، إنه ليسَ وحيداً، وإنه يقود معركة استمراره في الحكم وبقائه في السياسة، مُتسلحاً بظهير إقليمي ودولي، وإنه لا يُمكنهما أن يحوّلاه إلى كيس ملاكمة يصُبّان إحباطهما عليه، ويُصارعانه من أجل ترميم صورتهما وتحصيل مكاسب في الشارع المسيحي، وتعزيز حصتهما في أي تسوية مقبلة. ومن حُسنِ طالعه، أن الفرنسيين الذين يستعجلون نجاح مبادرتهم لحلّ الأزمة اللبنانية، توسطوا للحريري لدى الإماراتيين ونجحوا في فتح الأبواب في وجهه مجدداً بعدما ظلّت موصدة لسنوات.
وبمعزل عمّا يُمكن أن تحققه هذه «الفتوحات» السياسية للحريري في عدد من الدول، ثمّة شيء لم يُقَل حتى الآن عن الهدف الأساس للرئيس المكلف من هذه الجولات، وهو الاستحصال على جواز مرور إلى المملكة العربية السعودية التي لا تزال ترفض استقباله أو حتى إطلاق إشارة إيجابية تجاهه، ما دامَ يتعامل مع حزب الله في لبنان على قاعدة ربط النزاع، مع عدم ممانعته تشكيل حكومة يكون الحزب جزءاً منها. ذلِك أن أي تسوية في الداخل، ستكون منقوصة بالنسبة إليه، إذا لم تباركها الرياض. وفي هذا الإطار، هناك نقطتان بارزتان تثيران «نقزة» الحريري: الأولى، أن السفير السعودي وليد البخاري الذي عاد الى لبنان منذ فترة لم يبادِر ولا حتى باتصال في اتجاه الحريري، رُغم أن البخاري ينشط في التواصل مع عدد من القوى في الداخل. والثانية، عدم ضمان نجاح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يعتزم زيارة المملكة قريباً في إقناعها بإعادة الوصل مع الحريري ودعمه ومباركة خطواته.
أراد الحريري لجولاته أن تعزّز حملة الترويج له باعتباره الوحيد القادر على كسر عزلة لبنان


تبعاً لذلك، يُطرح الكثير من علامات الاستفهام، حول قدرة الحريري على تشكيل حكومة في حال إخفاق الفرنسيين في تأمين جسر عبور له الى المملكة، حتى لو أحيط هذا التشكيل بدعم أوروبي وعربي. الرئيس المكلف أقرّ سابقاً أمام من تحدثوا إليه في هذا الأمر «بصعوبة تجاوز السعوديين». لكنه يعلم أيضاً بأن دخوله الى السرايا الحكومية من جديد، يشكل له حبلَ نجاة من تهديدات كثيرة في الداخل، أهمّها فتح ملفات الفساد والادعاء عليه كمتّهم، وهو سبق أن ارتبك من «الحرب النفسية» التي شنها ضده فريق رئيس الجمهورية في هذا الصدد. وبالتالي قد يدفعه ذلِك الى القبول بتفاهمات داخلية جديدة من أجل إنجاز الولادة الحكومية، فتتحوّل بدعم أوروبي ــــ إقليمي الى أمر واقع، تفرض على السعوديين معاودة التواصل معه، وخاصة أن الرياض المأزومة اليوم، بفعل سياسة الإدارة الأميركية الجديدة في المنطقة، ستحتاج الى ساحات تفاوض وهي لن تجِد لها في لبنان رديفاً عن الحريري الذي لا يزال، رغم كل الخسارات السياسية والشعبية، الأكثر تمثيلاً في الساحة السنية.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا