فيما تنعدِم المؤشرات الداخلية بشأن إمكانية تأليف حكومة جديدة في المدى المنظور، توجّهت الأنظار يومَ أمس إلى المحادثات التي بدأها في بيروت وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، ديفيد هيل، والتي تركزت على الملف الحكومي، كما على موضوع مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي، المعلّق منذ نحو خمسة أشهر. صحيح أن هيل لم يتحدّث علناً عن ملف الحدود في تصريحاته، إلا أن مصادِر بارزة أكدت أنه أثار الملف مع كل الذين التقاهم، وكان «حاسماً في موقفه الذي أكد فيه أنه لا يُمكن للبنان توقيع تعديل المرسوم وإيداعه لدى الأمم المتحدة، وهذا الأمر سيدفع بإسرائيل إلى مغادرة طاولة المفاوضات، ولن يستطيع لبنان أن يفعل شيئاً»!التقى هيل كلاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ووزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. كما لبّى دعوة رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي إلى مأدبة إفطار. وقد ناقش هيل مع الذين التقاهم «أزمة الحكومة والأزمة المالية - الاقتصادية»، مُصرّحاً بعد ذلِك بأن «أميركا وشركاءها الدوليين قلقون جداً إزاء الفشل في المضي بأجندة إصلاحات ضرورية». وأكد أن «الوقت قد حان لمطالبة القادة اللبنانيين بإظهار مرونة كافية لتشكيل حكومة قادرة على القيام بإصلاح جدي وجوهري»، مشيراً إلى أن «هذا هو الطريق الوحيد للخروج من الأزمة». واعتبر هيل أن «الأزمة الحالية - التي فقدت خلالها الليرة اللبنانية أكثر من 85% من قيمتها أمام الدولار وبات أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر - هي نتاج عقود من سوء الإدارة والفساد وفشل القادة اللبنانيين في وضع مصالح البلاد أولوية».
لكن ما لم يُحكَ في العلن، هو أن هيل فاتَح القوى السياسية بأمر تعديل المرسوم 6433 (تحديد الحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان)، لكن الجميع أكد أن «الملف في عهدة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والسلطة التنفيذية». لذا اعتبرت أوساط مطلعة أن «زبدة جولة هيل ستكون في اللقاءات التي سيعقدها اليوم مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، إضافة إلى اجتماعه مع قائد الجيش جوزف عون».
يعتبر عون أن لدى لبنان أوراقاً كثيرة يمكن أن يستخدمها قبل التوقيع


زيارة هيل أتت بالتزامن مع اشتباك سياسي حول توقيع المرسوم الذي وقّعه دياب والوزراء المعنيون، فيما كانت المفاجأة بتراجع رئيس الجمهورية عن توقيعه. خصوم الأخير ربطوا هذا التعليق بزيارة الموفد الأميركي، متهمين إياه بأنه «يريد استخدام الملف في السياسة ومساومة الأميركيين عليه». وقد نقلَ البعض أن عون «تحدث أمس عن أنه سيسمع أولاً ما يحمله هيل. فإذا كانَ متشدداً فسنوقّع المرسوم، وإذا كان متساهلاً فسنترك الباب مفتوحاً، لأننا لا نريد استفزاز الإدارة الأميركية ولا إعطاء ذريعة للعدو الإسرائيلي لوقف المفاوضات».
في المقابل، لا يزال فريق رئيس الجمهورية يؤكد تمسّك عون «بالأصول الدستورية كي لا يطعَن في المرسوم أحد بعد ذلك». وهو يعتبر أن لدى لبنان «أوراقاً كثيرة يستخدمها قبل التوقيع»، ومن بينها أن «وزير الخارجية اللبناني سيقدم رسالة احتجاج خلال الزيارة التي سيقوم بها غداً الى اليونان، الأمر الذي قد يدفع شركة (انرجين) اليونانية إلى وقف العمل في المنطقة التي تدخل ضمن المساحة المتنازع عليها (١٤٣٠ كيلومتراً)»، إضافة إلى «انتظار ما سيقوله هيل في اللقاء، بصفته يمثل الجهة الوسيطة في المفاوضات». وأكّدت مصادر عون أنه «لن يفرّط في أي شبر من حقوق لبنان، وسيتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب».
الممتعضون من أداء رئيس الجمهورية يقولون إنه «يريد أن يستعمل الملف لتثبيت نفسه مرجعية في التفاوض. كما انه سيستثمر به داخلياً من خلال الدفع في اتجاه عقد جلسة للحكومة من أجل تعويمها في وجه الرئيس الحريري».
وعلمت «الأخبار» من مصادر بارزة أن هيل استبق لقاءه بعون، بجلسة عقدها فور وصوله أول من أمس ليلاً، بعيداً عن الإعلام، مع الوزيرين السابقين الياس بو صعب وسليم جريصاتي والنائب ألان عون. وقالت المصادر إن «الجلسة هي استكشافية لجس نبض الضيف الأميركي من موضوع المرسوم، قبل أن يقرر عون مصيره».
في السياق، تطرق وزير الخارجية شربل وهبة، خلال جلسة مع الصحافيين أمس، إلى زيارة هيل، فقال إنه «بحسب المقاربة التي عرضها هيل، لبنان لا يزال من ضمن اهتمامات الولايات المتحدة»، لافتاً إلى أنه شدد على أن «بلاده تعتبر الجيش اللبناني صديقاً، وأكد أهمية الحفاظ على الاستقرار في الجنوب واستمرار التعاون بين الجيش واليونيفيل وتنفيذ القرار 1701». ورداً على سؤال عمّا إذا كان تم التطرق إلى مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، أشار إلى أن «مناقشة هذا الملف ستكون مع الرئيسين عون ودياب بشكل أساسي»، موضحاً أن وزارة الخارجية والمغتربين لا تشارك في هذه المفاوضات بسبب عدم وجود أي مقاربة سياسية أو دبلوماسية. ولفت وهبة إلى أن «هيل، الذي يريد أن يستطلع آراء المسؤولين السياسيين لمعرفة ما يمكن القيام به على هذا الصعيد»، أشار إلى أن الزائر الأميركي «يعتبر أن من الأفضل العودة إلى الوضع الذي كانت عليه المفاوضات في شهر كانون الأول».



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا