ثلاثة وثلاثون عاماً قضاها حسن في توزيع الخبز. لم تكن في يد الرجل مهنة أخرى تعفيه من الفقر سوى هذه «يعكّز» عليها لإعالة عائلته. تأقلم حسن مع واقعه الذي يصرف فيه على «قدّ بساطي»، وبقي على تلك الحال سنوات حتى أقعده جشع أصحاب الأفران عن العمل أخيراً، بعد امتناع بعضهم عن تسليم الموزعين الخبز الأبيض خوفاً على أرباحهم.
(هيثم الموسوي)

ليست حال حسن استثناء. جشع أصحاب الأفران من جهة، و«ضياع» وزارة الاقتصاد، الوصية، أصابا كثيرين ممن يعملون في تلك المهنة الهامشية: كلما شعر أصحاب الأفران بـ«تهديد» لأرباحهم بسبب غلاء أسعار القمح عالمياً أو بسبب شرائهم المواد الداخلة في «العجنة» على سعر صرف الدولار، وجدوا ضالتهم في الموزعين، فيعتكفون عن تسليمهم الخبز ويحرمونهم من قوت يومهم.
في آخر تلك الجولات، أعلنت نقابة أصحاب الأفران قبل أسبوع التوقف عن تسليم الخبز، وحصر بيعه في الصالات اعتراضاً على قرار وزير الاقتصاد زيادة وزن سعر ربطة الخبز الكبيرة 15 غراماً و10 غرامات للربطة الصغيرة، واحتساب سعر طن الطحين على أساس 11700 ليرة للدولار.
رضي الموزعون بما قسمته الوزارة إلا أن ذلك ليس المطلوب

اعتبر هؤلاء أنهم بهذا القرار يخفّفون من الخسارة، إلا أنهم، من جهة مقابلة، تركوا الموزّعين بلا عمل. احتجاجاً، أقفل الموزعون في طرابلس وصور وبيروت على مدى الأيام الثلاثة الماضية أبواب الأفران، مانعين إياها من البيع، ما اضطر الجزء الأكبر من الأفران للرضوخ وإعادة التوزيع.
يقول أحد الموزعين إن موافقة الأفران على تسليمنا ربطة الخبز الكبيرة بـ2000 ليرة والصغيرة بـ1300 ليرة جاء «تحت الضغط»، إلا أن ذلك «ليس حلاً»، مشيراً إلى أن الموزعين تواصلوا مع وزارة الاقتصاد «وطلبنا إعطاءنا مقطوعة بمقدار 10% لحمايتنا من تعسف الأفران. غير أن الوزير ارتأى إعطاءنا مقطوعة تتغير تبعاً لتغير الأسعار». وفي هذا السياق، يلفت المدير العام للحبوب والشمندر السكري في وزارة الاقتصاد، جرجس برباري، إلى أن «الوزارة تصدر جدولاً دورياً توضح فيه أسعار المواد الداخلة في صناعة الرغيف وهامش الأرباح النسبي للأفران وما هو مفروض أن تعطيه للموزعين، وقد حددنا في القرار الأخير هامش ربح الأفران بـ9% والموزعين بـ300 ليرة لبنانية، وهي نسب قد تتغير بحسب تغيرات الأسعار».
ولكن، هل هذا ما يطلبه الموزعون؟ هؤلاء رضوا «بما قسمته» الوزارة، إلا أن ذلك «ليس المطلوب»، بحسب أحد الموزعين، مشيراً إلى «أن الدولار متل الرقاصة لا يثبت على حال، وهذه النسبة من الطبيعي أن تتعدل بتغيّر الأسعار». يخاف هؤلاء لأنهم «الحلقة الأضعف». وكلما دبّ الخلاف بين الوزارة وأصحاب الأفران يتوقف عملهم. اليوم، بات هذا التوقف كارثياً في ظل الأزمة المالية الاقتصادية، إذ لا يملكون مورداً آخر لإعالة عائلاتهم.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا