باشرت فرق «المصلحة الوطنية لنهر الليطاني» في رفع الأسماك النافقة عن ضفاف بحيرة القرعون التي تحوّلت من مصدر للحياة إلى مستنقع للموت، وذلك بالتعاون مع المجتمع المحلي والجمعيات البيئية. وطلبت تكليف فريق مختص من الخبراء التابعين لمعهد «علوم البحار» للكشف على البحيرة.
الخطوة تأتي بعد استكمال المسح الميداني وتقييم التنوّع البيولوجي في البحيرة على إثر نفوق عدد كبير من الأسماك بشكل غير معتاد، من نوع الكارب (Cyprinus Carpio Carpio)، التي ثبت إصابتها بمرض وبائي وفيروسي خطير قابل للانتقال.

وبالتوازي وجّهت المصلحة كتباً إلى الجهات المعنية، لاتخاذ سلسلة إجراءات وتطبيق قرار منع الصيد في البحيرة كون أسماكها غير صالحة للاستهلاك البشري، خاصة بعد أن ألقت فرق المصلحة القبض قبل أيامٍ على عمّال يصطادون السمك لـ«مصلحة أحد تجار الأسماك المُقيم في مخيّم القرعون للنازحين، يُدعى أبو دحام، مجهول باقي الهوية».

وباء فتّاك
وفق تقريرٍ نشرته المصلحة وجمعية «حماية الطبيعة في لبنان»، تعيش في بحيرة القرعون خمسة أنواع من الأسماك، وبحسب خبراء، كلها تتمتع بصحة جيدة وتضع بيوضها وتتزاوج، ما يستبعد كلياً نظرية نقص الأوكسيجين أو التلوث الكيميائي الحاد، إلى درجة القضاء على آلاف أسماك الكارب المعروفة بمقاومتها للعاملين، بعكس الأسماك الأخرى.
والجدير بالذكر، أن التلوث الكيميائي موجود في البحيرة منذ عقود ويمثّل خطراً على صحة الإنسان والحيوان، لكنه ليس السبب المباشر للنفوق السريع لأسماك الكارب.

(المصلحة الوطنية لنهر الليطاني)


(المصلحة الوطنية لنهر الليطاني)

وتم أخذ العينات من أسماك الكارب النافقة، وأخرى من أسماك الكارب التي لا تزال حية، لكنها على وشك الموت، وتم تشريحها ميدانياً، وتم تحديد عامل مشترك واحد بينها؛ كلها تعاني من نزيف داخلي وتلف في الأعضاء الحيوية، مع وجود تقرّحات حادة على أعضائها الداخلية والخارجية، مثل الزعانف والحراشف. إلا أن الخياشيم حمراء وحالتها جيدة نسبياً، ما يستبعد مجدداً نظرية النقص في الأوكسيجين.

واستنتج التقرير أن أسماك الكارب تعاني من انتشار مرض وبائي خطر، أدّى إلى نفوقها بالآلاف في غضون فترة لا تتعدى أسبوعاً. وعلى الأغلب، أن هذا الوباء هو فيروسي ويصيب نوعاً محدداً أو فصيلة معيّنة من الأسماك، ذلك أنه تم توثيق نفوق عشرات أسماك الكارب بالأعراض نفسها، في مجرى ماء متفرّع من الليطاني في منطقة تل الأخضر، ما يدل على أن الوباء منتشر في نهر الليطاني وليس محصوراً ببحيرة القرعون.

منع الصيد لا يُطبّق
هي ليست المرة الأولى التي تضبط فيها «مصلحة الليطاني»، أشخاصاً يصطادون السمك من بحيرة القرعون، على الرغم من قرار وزارة الزراعة، الصادر عام 2018، والقاضي بمنع صيد السمك في البحيرة، وفي المجرى الرئيس لنهر الليطاني، لـ«ضرورات ومقتضيات الصحة العامة». أحد أسباب عدم تطبيق القرار برأي سامي علوية، مدير مصلحة الليطاني، في حديث سابق مع «الأخبار»، هو «تقاضي مراقبي الوزارات المعنية كالزراعة والصحة الرشوة مقابل التخلي عن القيام بواجباتهم».

اليوم، وبعد الكارثة البيئية التي حلّت بالبحيرة، وفي محاولة لحصر الوباء ومنع انتشاره في حال استخدام عدة صيد في مياه القرعون ومياه أخرى كالعاصي مثلاً، وجّهت المصلحة كُتباً إلى كل من:
الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع العميد محمود الأسمر، الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية ومحافظ البقاع القاضي كمال أبو جودة ووزراء: الدفاع والاقتصاد والبيئة والداخلية والزراعة والشؤون الاجتماعية والصحة والطاقة.

(المصلحة الوطنية لنهر الليطاني)


(المصلحة الوطنية لنهر الليطاني)

وطلبت في كتبها اتخاذ التدابير والإجراءات التالية:
-وجوب اتخاذ كلّ الإجراءات لمنع صيد الأسماك في بحيرة القرعون من قبل الصيادين اللبنانيين والنازحين.
-وجوب استصدار قرار بمنع بيع هذه الأسماك وبمنع استهلاكها وليس فقط بمنع صيدها، وتكليف وزارة الاقتصاد والتجارة ووزارة الصحة العامة بالقيام بدورهما في حماية الأمن الصحي والغذائي.
-تكليف البلديات المحيطة في بحيرة القرعون ولا سيما القرعون وصغبين وعيتنيت وبعلول ولالا بإقفال كلّ المداخل المؤدية إلى بحيرة القرعون لمنع ظاهرتَي الصيد والتقاط الأسماك النافقة.
-تكليف البلديات والأجهزة الأمنية بتأمين مؤازرة فنية وأمنية دائمة لـ«المصلحة الوطنية لنهر الليطاني» لمنع صيد والتقاط الأسماك النافقة من بحيرة القرعون وضفافها.
-الطلب من الجهات الصحية الرسمية المختصة والمسؤولة التفضّل بأخذ العينات اللازمة من بحيرة القرعون ومن أنسجة الأسماك الحية والنافقة في البحيرة لتكوين التصوّر العلمي والفني المناسب لمعالجة هذه الظاهرة وكيفية الحد منها ومنع انتقالها إلى المسطحات المائية الأخرى، وتقديم المؤازرة العلمية للمصلحة لتحديد كيفية الحد من هذه الظاهرة.

يُذكر أن العمّال الذين اصطادوا الأسماك الأسبوع الفائت، استخدموا «المبيدات والوسائل غير التقليدية»، وهو «ما يُهدد نوعية المياه والأحياء المائية، ويهدد صحة المستهلكين»، حيث تَنفقُ أطنان من الأسماك على ضفاف البحيرة، قبل أن يتم جمعها في أقفاص.
وكانت «مصلحة الليطاني» ادّعت على الجناة أمام مخفرَي مشغرة والقرعون، وطلبت مخابرة النيابة العامة الاستئنافية في البقاع، لفتح تحقيق فوري وطلب حضور الأدلة الجنائية وملاحقة المتسبّبين بهذه الأضرار البيئية الجسيمة والخطرة.

وتُقدّر الخسارة الوطنية الناتجة عن تلوّث القرعون والليطاني بأطنان الأسماك وملايين الأمتار المكعبة (حوالى 60) من المياه الملوّثة بالصرف الصحي، ومليارات الدولارات التي صُرفت على مشاريع الصرف الصحي ولم تعالج متراً واحداً.




Posted by ‎جريدة الأخبار - لبنان‎ on Wednesday, April 28, 2021


اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا