أعادت الأزمة الإقتصادية ترتيب أولويات المستهلكين وأجبرتهم على التفكير ملياً بكل صغيرة وكبيرة، حتى لو كانت حبة صنوبر. فمن أكبر تحديات المائدة الرمضانية هذا العام، كانت المكسرات. الجوز واللوز والصنوبر والفستق الحلبي والكاجو كانت تزيّن وجبات الطعام والحلويات وتدخل في مكونات بعضها. لكن ارتفاع أسعارها، حجبها عن كثير من الموائد. لكن ما سبب الارتفاع الهائل في أسعار القشريات، لا سيما تلك التي تزرع في لبنان؟
بحسب عدد من المزارعين المختصين باللوزيات والصنوبر، فإن الإنتاج المحلي لا يكفي حاجة السوق. معظم الكميات مستوردة نيئة. تحمّص وتعلّب محلياً ليتمّ بيعها محلياً وبعضها يعاد تصديرها.

شجر اللوز منتشر في لبنان. إلا أن الصنف المحلي لا يصلح للتحميص. الحبّة الواحدة تحتوي على فلقتين وتفسد سريعاً. أمّا الجوز، لا يكفي حاجة السوق ويحتاج للري الدائم. يقول الخبير البيئي علي درويش، إن اللوزيات «تحتاج إلى معالجة ما بعد القطاف (Post Harvest) وتتطلّب معامل وماكينات معينة ومناسبة بالاضافة إلى تجديد الأصناف، والمتابعة الدقيقة خلال فترة الزرع».

تلك المتابعة تنطبق أيضاً على زراعة الصنوبر الناجح محلياً. سعر الكيلوغرام الواحد من الصنوبر وصل سعره إلى المليون ليرة لبنانيّة، إلّا أنّه ببساطة «لحق» السوق وسعر صرف الدولار. «الصنوبر يحتاج إلى الكثير من العمل والمتابعة والصيانة ويتطلّب تقنيّات معيّنة ودقيقة. سعره المرتفع فرضه الجهد الكبير الّذي تحتاجه زراعته وقطافه وفصل النواة عن القشرة باستخدام معدات مستوردة ومرتبطة بسعر صرف الدولار»، بحسب درويش.

يقول تاجر المكسرات باسل ملحم إنّ المكسرات مستوردة بشكلٍ عامّ قبل الأزمة وقبل ارتفاع سعر صرف الدولار ولم يكن هناك منتجات محليّة لاستخدامها في السوق المحليّة أساساً، ما عدا الصنوبر. «نستورد حوالي 90 في المئة من اللّوز من الولايات المتحدة. كما نستورد كمّيات لا بأس بها من أسبانيا، خصوصاً أنّ الأسباني معفى من الجمرك بموجب اتفاقية موقعة مع الاتحاد الأوروبي». في مقابل تكاليف الاستيراد باليورو أو الدولار، لا يزال المستوردون يدفعون ضريبة الجمرك والضريبة على القيمة المضافة على سعر الصرف الرسمي، منها 5 في المئة على المكسرات النيئة. وفي حال كان الاستيراد من أوروبا تلغى الضريبة.

هكذا، يشرّع لبنان حدوده للمكسرات المستوردة التي تَضاعف سعرها ولم يعد استهلاكها متوفراً لكثيرين. يبرّر ملحم بأن اللّوز المحلّي «لا يُعرض على تجّار المكسرات بسبب تراجع جودته وعدم قدرته على المنافسة مع الأصناف الأجنبيّة. إنما يذهب للاستهلاك المباشر الفردي ولبعض الصناعات الّتي لا تتطّلب جودة عالية». أمّا الجوز، فهو مستورد بشكلٍ أساسيّ من أوكرانيا والولايات المتحدة، بسبب اختلاف الجودة والأصناف. فالجوز اللبنانيّ منخفض الجودة، مرّ، وحبّته صغيرة جداً، بالتّالي لا ينفع في الاستهلاك التجاري. في هذه الحالة، يصبح أوفر للتاجر أن يستورد الجوز خصوصاً وأنّ الدولة لا تدعم زراعته وانتاجه.

ماذا عن التوجّه الحاليّ؟ يقول ملحم إن الطلب اختلف كثيراً من حيث الجودة والكمّية. الزبون يسأل عن الانتاج المحلّي اليوم باعتباره أقلّ كلفةً من المستورد، فيكتفي الزبون بكمّيات قليلة من المحلّي إذا توفّر بنوعيّة مقبولة. «أتمنّى أن نتّجه اليوم أكثر نحو المنتجات الوطنيّة، لكن ذلك يتطلّب معالجة خاصّة ووضع استراتيجيات من قبل الدولة بالإضافة إلى توفير الدعم المناسب للانتاج والزراعة المحلّية عوضاً عن دعم الاستيراد من خلال التسهيلات الموفّرة للتجّار وعدم حماية المنتوجات الوطنيّة. لو هناك بديل محلّي من المنتجات المستوردة فمن المؤكّد أنني كتاجر سأتوّجه إليها، حيث ممكن أن تكون بضاعة أرخص بجودةٍ عالية».