إن إقدام رئيس مجلس شورى الدولة على نقل الدعوى إلى مجلس القضايا بعد صدور التقرير ومطالعة مفوض الحكومة بقبول مراجعة إعادة المحاكمة وإبطال المرسوم المطعون فيه، مع أنه كان بإمكانه ترؤس هيئة الحكم والتحقق أثناء المذاكرة من صحة الأسانيد التي استند إليها التقرير.أما نقل الدعوى إلى مجلس القضايا بعدما أصبحت القضية جاهزة للحكم، فإن الغاية منه واضحة لناحية الوصول إلى نتيجة معاكسة لتلك التي انتهى إليها التقرير السابق.
وبالفعل هذا ما حصل، إذ وضع المقرر المكلّف من رئيس مجلس القضايا (وهو رئيس مجلس شورى الدولة) تقريراً انتهى إلى عكس النتيجة التي انتهى إليها التقرير السابق.
تبديل المواقف في المجلس هو نتيجة ضغوط خارجية تدفع المجلس إلى اتخاذ قرار معاكس لقناعاته وللقانون، وبخاصةٍ في القضايا التي تتصل بشخصيات ذات صلة بعالم السياسة، حيث نلحظ ضعف جانب المجلس أمام رهبة السياسة.
وإذا كانت مراجعة إعادة المحاكمة لا تعتبر درجة من درجات التقاضي، بل يجب أن تكون مبنية على أحد الأسباب المقررة في القانون، فإن لهذه المراجعة أسباباً تبرر قبولها وتحتاج إلى شجاعة قاضٍ يقرر الغوص في المحرمات.
فشركة سوليدير لا يجوز أن تُعامل كأي شركة خاصة، بل هي شركة تدير وسط العاصمة، أي أنها تدير مرفقاً عاماً، إلا أن نظامها كله يصب لمصلحة هذه الشركة. وهي تتقاضى من الدولة بدلاً من خدمات صيانة وإنشاء البنى التحتية، أي أن الدولة متعاقدة معها وبدون عقد على كل الأشغال في هذه المنطقة، من دون مراعاة أصول التعاقد في القانون الخاص. كما تنازلت الدولة عن جزء من أملاكها العامة لمصلحة هذه الشركة لقاء خدماتها للدولة. وهي تستأجر أملاك الدولة بالمجان وتؤجر الدولة شققاً بمبالغ خيالية.
لذا، فإن هذا النظام يتضمّن غبناً كاملاً بحقوق الدولة وأصحاب الأملاك الخاصة، لمصلحة شركة خاصة، وهو انحراف بالسلطة وتعدّ على الملكية العامة والخاصة، ولهذا لا يكون مشروعاً ولا مبرراً تمديد ولاية هذه الشركة بهذا النظام المصاغ لمصلحة الشركة، من دون أيّ اعتبار لمصالح الدولة وبلدية بيروت.
لذا، فإذا كان النظام الأساسي قد نجا من الطعن، فلا يجوز أن نسمح بتمديد العمل بهذا النظام ولا يحقّ لمجلس شورى الدولة تأكيد مشروعية التمديد.
في نظام الشركة، فإن الدولة وبلدية بيروت تتمثلان حكماً في مجلس الإدارة، بحيث يصار إلى تعيين ممثلين عنهما. فهل تمّ تعيين ممثل الدولة وممثل بلدية بيروت؟ وفي ظل غيابهما القصدي عن جلسات مجلس الإدارة، أيّ مشروعية لقرارات يتخذها مجلس غير مكتمل التكوين؟ أليس غياب ممثل بلدية بيروت وممثل الدولة سبباً لبطلان ما يصدر عن مجلس الإدارة، وتالياً عن الجمعية العمومية؟
ثمّ إن الجمعية العمومية أقرت تمديد ولاية الشركة لمدة 75 عاماً، إلا أن المرسوم المطعون فيه بدّل قرار مجلس الإدارة بالرغم من أن صلاحية مجلس الوزراء تقتصر على التصديق، أي الموافقة أو الرفض، وليس له تعديل قرار الجمعية العمومية. إلا أن المقرر لم يجد في اتخاذ مجلس الوزراء قراراً بتحديد مدة الشركة محل مجلس الإدارة أيّ تعدٍّ على صلاحية شخص معنوي خاص.
هو تقرير يقلب المفاهيم لغاية وحيدة هي تمديد هذه الشركة لمدة تلي مدة، لعلها يوماً توسّع نطاق عملها ليصبح كل مدينة بيروت، فتصبح سوليدير عاصمة الدولة اللبنانية.
م. م .ك

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا