لكن المصادر المصرفية تجزم بأن ما خلق موجة ارتفاع السعر بقيمة ألفي ليرة في أسبوع واحد، هو أداء المصارف. فجزء كبير من التجار يعوّل على سعر منصة «صيرفة»، كونه أقل من سعر السوق، ويفضّلون انتظار الموافقة على منحهم الدولار بـ 12000 ليرة على شرائه من الصرافين بسعر أعلى. كما أن عملية تحويل الأرباح إلى دولارات لا تزال مستمرة بالوتيرة السابقة نفسها، ولم تشكّل ضغطاً إضافياً على سعر الليرة. وتشير المصادر إلى التزامن اللافت بين بدء تسرّب الأخبار عن تعميم مصرف لبنان بشأن دفع 400 دولار شهرياً للمودعين، وبدء تحرّك سعر العملة الأميركية صعوداً، وصولاً إلى الإعلان رسمياً عن الخطوة الذي شكّل نقطة انطلاق الموجة الجديدة من تحليق الدولار.
المصادر المصرفية تجزم بأن ما خلق موجة ارتفاع السعر بقيمة ألفي ليرة في أسبوع واحد، هو أداء المصارف
وتشرح المصادر بأن المصارف، التي ألزمها تعميم مصرف لبنان بأن تتولى تأمين نصف المبلغ المطلوب دفعه لكل مودع (200 دولار شهرياً، على أن يؤمّن مصرف لبنان النصف الثاني)، قررت اللجوء إلى السوق لتوفير جزء من هذه الدولارات. وهي بدأت جمع الليرات من السوق، لأن الحصول عليها من مصرف لبنان يرتّب عليها كلفة تراها باهظة.
جزء من البنوك (بعضها من أكبر مصارف لبنان) يحصل على الليرات عبر بيع شيكات، بعمولة وصلت مطلع الأسبوع الفائت إلى 9 في المئة (مقابل شيك مصرفي بمليار ليرة، يحصل المصرف من «تاجر العملة» على 910 ملايين ليرة)، قبل أن تنخفض نسبة العمولة إلى 6 في المئة. وهذه الليرات تُخصص إما لتمويل دفع الـ 400 دولار التي سيحصل عليها المودِع بالعملة الوطنية؛ فيما الجزء الآخر يُخصّص لشراء دولارات من صرّافين، لتأمين الدولارات النقدية التي ستُسدّد شهرياً لأصحاب الودائع.
وتشبّه مصادر واسعة الاطلاع في سوق الصيرفة والاتجار بالعملة، ما يجري منذ مطلع الأسبوع الفائت، بما جرى في الأيام الأخيرة من شهر شباط الماضي، عندما تهافتت المصارف على دولارات السوق، مسببة بارتفاع سعر النقد الأميركي بنسبة كبيرة، وبخلق موجة صعود للدولار استمرت لأسابيع. فحينذاك كانت المصارف تريد الحصول على الدولارات، من أجل تأمين نسبة 3 في المئة من الأموال المودعة لديها بالعملات الأجنبية، وفتح حسابات بها في مصارف المراسَلة في الخارج. وبدلاً من اللجوء إلى استخدام الأموال التي أخرجها أصحاب البنوك من لبنان سابقاً، قرروا الضغط على سعر الصرف عبر شراء الدولارات من السوق المحلية. أما اليوم، وفيما سمح لها مصرف لبنان باستخدام جزء مما كوّنته في الخارج (نسبة الـ 3 في المئة) لرد «نتفة» من الأموال للمودعين، قرر كثير من البنوك اللجوء إلى السوق، لشراء الدولارات، بدلاً من «المس» بما بات لديها في المصارف الأجنبية التي تتعاون معها (مصارف المراسلة).
إضافة إلى ما سبق، تتحدّث المصادر عن استمرار عدد صغير من المصارف بشراء الدولارات من السوق، بالوتيرة نفسها التي كانت سابقاً، إما لتمويل ما تسميه التزامات خارجية، وإما في محاولة منها لتأمين حسابات الـ 3 في المئة التي كان ينبغي أن تكوّنها قبل نهاية شباط الفائت!