يدرس الاتحاد الأوروبي إرسال كتابٍ إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب «يحثّه» فيه على تفعيل دور حكومته بما يتعدّى النطاق الضيّق لتصريف الأعمال. ينطلق الاتحاد الأوروبي، بحسب ما يُنقل عن أعضاء بُعثته، من أنّه حتّى ولو جرى تكليف شخصية جديدة لتشكيل الحكومة، فإنّ التأليف ووضع خطّة عمل لمواجهة الانهيار وبدء تطبيقها، مسارٌ قد يستغرق أشهراً طويلة، وهو «ترفٌ» لا يملكه لبنان في ظلّ الأزمة التي يمرّ بها. رغبة «الاتحاد» في إخراج مجلس الوزراء من حالة الجمود، يتعدّى الاهتمام باتخاذ إجراءات فورية لتخفيف آثار الانهيار عن السكّان وتحسين المؤشرات الاقتصادية، بل الهدف الرئيسي منه إعادة المفاوضات الرسمية مع صندوق النقد الدولي، تمهيداً لتوقيع اتفاقية برنامج معه. بالنسبة إلى الأوروبيين، فإنّ «الاتفاق مع صندوق النقد يبعث برسالة ثقة إلى بقية المُقرضين - دولاً ومؤسسات - لإعادة ضخّ العملة الصعبة في البلد، وتفعيل المشاريع الإنمائية، تحديداً تلك التي اتُفق عليها في مؤتمر باريس 4» (يُعرف باسم «سيدر» وقد انعقد عام 2018 في فرنسا).
(أرشيف ــ مروان طحطح)

تنطوي هذه الحجّة على الكثير من «الحقيقة»، ولكنّها ليست الغاية الوحيدة خلف الحماسة لاتفاق مع صندوق النقد، بل لأنّ الأخير سيُشكّل البيان الوزاري لأي حكومة تُشكّل. ومهما تكن هوية رئيس مجلس الوزراء الجديد، فقد اتُخذ القرار بعدم تحرير أي قرض إلى لبنان ما لم يلتزم بسلسلة من «الإصلاحات» التي يُحدّدها له «المجتمع الدولي».
الدولارات ليست مجانية ولن تُرسل بمجرّد تشكيل حكومة، حتى ولو كانت حليفةً للجهات الغربية والمؤسسات الدولية. وما سيزيد الأمور تعقيداً، أنّ حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسّان دياب التزمت أمام الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي بتنفيذ بنود خريطة الطريق المُحدّدة من قبلهم والتي أُعلن عنها في 20 كانون الأول 2020 باسم «الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار»، تحت عنوان «تفعيل نتائج التقييم السريع للأضرار والاحتياجات وغيره من التقييمات، وذلك استجابة للانفجار المُدمّر الذي وقع في مرفأ بيروت». اللافت أنّ دياب وعدداً من الوزراء في حكومته، رفضوا في معظم الأحيان عقد اجتماعات واتخاذ قرارات حتى ولو كانت طارئة، مُبرّرين بحالة تصريف الأعمال، وبعدم إمكانيتهم توريث التزامات للحكومة الجديدة. ولكن حين استدعتهم المؤسسات الدولية إلى اجتماعٍ، تعهّدوا بتطبيق ما نَتج منه، وتقديم تقرير عن تطوّر تطبيق الخطوات في الاجتماع المقبل.
من ضمن الشروط المطلوبة إجراء تدقيق في حسابات مصرف لبنان


البيان الحكومي الجديد، أو الإطار الذي يُروّج له ثلاثي الأمم المتحدة - الاتحاد الأوروبي - البنك الدولي يعرض مجموعة من «الإصلاحات» المحدّدة والموجّهة، ويذكر صراحةً أنّ الدعم الدولي للبنان يتوقّف «على قدرة الحكومة على تحقيق تقدّم يتّسم بالصدقية في الإصلاحات، وستحتاج الحكومة إلى تنفيذ إصلاحات جوهرية على صعيد الاقتصاد الكلّي».
الإجراءات التي يُشترط تطبيقها هي:
- التقدم في المباحثات مع صندوق النقد الدولي،
- إعادة هيكلة الديون والقطاع المالي،
- إجراء التدقيق المالي في مصرف لبنان،
- إصلاح القطاع المصرفي،
- إقرار قانون القيود على حركة رأس المال (الكابيتال كونترول)،
- توحيد أسعار الصرف،
- خلق مسار موثوق ومستدام لاستدامة المالية العامة.
وبحسب ما يرد في خطة العمل المنشورة، فإنّ تطبيق الإصلاحات «عامل أساسي لحصول القطاع العام على قروض، أكانت بشروط ميسرة أم غير ميسرة، لمشاريع إعادة الإعمار».
في 31 آذار الماضي، عُقد اجتماع افتراضي جمع بين الجهات الدولية والحكومة اللبنانية وممثلين عن «المجتمع المدني» المحلّي لم يُحدّد من هم، ناقش إطار «الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار». وقد أعلنت مجموعة «كلّنا إرادة» في 7 حزيران الماضي عن تعيينها، إلى جانب «جمعية الشفافية اللبنانية» ومؤسسة «مهارات»، للإشراف على تنفيذ وعمليات تمويل إطار «الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار».
القصة لا تتوقف على تطبيق الإصلاحات، بل تتعدّاها إلى «تطوير نموذج جديد في الحكم، وتحويل الأزمة إلى فرصة لاستعادة الثقة في مؤسسات الدولة. يتطلب ذلك أن تتحمّل الحكومة مسؤولية تحقيق التعافي وإعادة الإعمار، مع تبنّي نهج مختلف عبر العمل مع المجتمعَين الدولي والمدني». هذا الأخير مطلوبٌ منه أن «يُساعد في وضع احتياجات الناس والمشاركة في صنع السياسات واتخاذ القرارات ومراقبة تطبيق الإصلاحات».

الاتحاد الأوروبي يدرس فكرة «حث» دياب على تفعيل عمل حكومته


في الورقة الصادرة عن المجتمعين بعد الاجتماع الأول، يُذكر أنّه بهدف المُضي قدماً بتنفيذ خطة التعافي وإعادة الإعمار، «أكّدت الحكومة اللبنانية التزامها بالمساعدة وبتنفيذ ما يرد في إطار «الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار - 3RF» ضمن ما تسمح لها حالة تصريف الأعمال، لا سيما من أجل:
- الانتهاء في إطار زمني معقول من إجراء التحقيق الشفاف في أسباب انفجار مرفأ بيروت، وذلك بدعم من «شركاء» لبنان الدوليين من حيث التعاون والخبرة،
- تطبيق الإصلاحات في الاقتصاد الكلّي،
- إعداد واعتماد ميزانية لعام 2021 تتضمن برنامج حماية اجتماعية، وإنشاء سجّل موحّد لبرامج المساعدة الاجتماعية، ووضع آلية للتعويض وأنظمة المراقبة والتقييم،
- تبنّي استراتيجية إصلاح قطاع المرافئ وإعادة الإعمار بما في ذلك الجمارك. وضع هيكلية مؤسستية واضحة لإدارة المواد والنفايات الخطرة.
من جهته، طلب البنك الدولي من الحكومة «الإسراع في المصادقة على صندوق الائتمان المخصص للبنان من أجل جمع الموارد التمويلية من المنح، وتعزيز التنسيق لموارد التمويل». الصندوق أنشأه البنك الدولي بالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي و«المانحين» الرئيسيين لتمويل «الأعمال التي تضررت من انفجار مرفأ بيروت ومساعدة السكان الأكثر حاجة».
وتطلب المجموعة الاستشارية من الحكومة اللبنانية على المدى الطويل:
- التأكد من معالجة تسوية مطالبات التأمين ومراقبة الملاءة المالية، مع الشروع في تطوير خطة حماية حامل الوثيقة،
- حماية المباني والعقارات التاريخية.
أما على المدى الطويل، فأبرز الشروط هي:
- تعزيز استقلالية القضاء، وضع استراتيجية مكافحة الفساد، وإتمام التعيينات في الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وتعزيز قدرات التفتيش المركزي وديوان المحاسبة،
- اعتماد قانون الشراء العام، وإقرار قانون المنافسة، بما في ذلك الإصلاحات في ما خصّ الوكالات الحصرية، واعتماد استراتيجية لإعادة هيكلة قطاع التأمين وتطويره،
- إقرار قانون جديد لقطاع المرافئ، يتضمن عمليات هيئة المرافئ والجمارك، ويحدد الأدوار الخاصة بالحكومة وسلطة المرافئ والمشغلين التجاريين،
- تنفيذ القانون 462 من دون تعديلات لجهة تأسيس هيئة ناظمة للكهرباء وتعيين الموظفين.