لا حقل مشتركاً بين لبنان وإسرائيل، ولا تقاسم للعائدات المالية أو غيرها من أشكال التطبيع التي جرى تداولها في السابق. المطّلعون على الأجواء الحقيقية لآخر ما حمله كبير مستشاري الرئيس الأميركي لأمن الطاقة العالمي آموس هوكشتاين يشيرون إلى حسم ما سبق، ويضيفون إن الحقل الحدودي هو حقل لبنانيّ وفق ما خلص إليه هوكشتاين، مع جيب يتبع لهذا الحقل في المياه الإقليمية الخاصة بفلسطين المحتلة.وتؤكّد المصادر أن الحقل لا يعدّ مشتركاً، ومن غير المطروح تقسيمه إلى حقلين، وأن «الوسيط الأميركي» يركّز على قيام شركة «توتال» المسؤولة عن التنقيب في الحقل اللبناني باستكمال عملها في الحقل كله، مع اتفاقية جانبية بينها وبين شركات النفط العاملة في إسرائيل بخصوص الكمية المستخرجة من الجهة الإسرائيلية من الحدود، من دون أن تكون للدولة اللبنانية علاقة مباشرة بالأمر. هذا في ما يخص التقاسم المفترض للثروة الخاصة بالحقل المتنازع عليه، وهو كان يمثّل حيزاً كبيراً من الأزمة العالقة بين يدَي المفاوض، أما الحيّز الأكبر من الأزمة فيرتبط بترسيم الحدود، حيث كثرت الروايات والتسريبات والتكهنات والتخوين، من دون تعليق مباشر من القصر الجمهوري، فيما يروي المقربون من رئيس الجمهورية الآتي:
بعد العقوبات على رئيس حزب التيار الوطني الحر جبران باسيل، انتقل مدير مكتبه في وزارة الخارجية هادي الهاشم الذي كان مكلفاً التنسيق بين رئاسة الجمهورية والمفاوض الأميركي إلى الكويت، حيث عين قائماً بأعمال السفير، فيما كلف عون الوزير السابق الياس أبوصعب تولي التنسيق مع المفاوض الأميركي. وقد أرسل أبوصعب رسالة نصية إلى السفيرة الأميركية دوروثي شيا لإعلامها بالأمر ودعوتها إلى زيارته في منزله في حال رغبت باستكمال العمل على الملف. وهكذا حصل. دور أبوصعب لا يرتبط بمضمون المفاوضات التي يتولاها الوفد اللبناني الرسمي المكلف بهذا الموضوع، بل تولي التنسيق مع الجانب الأميركي بشأن موعد المفاوضات في حال التأخر مثلاً، ومتابعة استكمالها في حال تعثرها كما حصل أكثر من مرة أيضاً، مع العلم بأن المفاوضات كانت قد توقفت رسمياً بعيد تقديم الوفد المفاوض خطاً حدوديّاً فاجأ الإسرائيليين والأميركيين على السواء، بتجاوز «خط هوف» وكل ما جاء في اتفاقية الإطار. ومع زيارة دايفيد هيل للبنان، بدأ البحث معه في ما يمكن فعله لمواصلة التفاوض، في ظل رغبة رئاسية بحصول الترسيم من دون أيّ مس بحقوق لبنان، وفي ظل اقتناع الرئيس برغبة جهات مختلفة، داخلية وخارجية، بإبقاء الثروة اللبنانية مدفونة تحت الرمل البحري، كما هو حاصل منذ عقود، رغم الأزمة الاقتصادية، لحصر الحلول الإنقاذية بخيارات أخرى. هنا، عاد هيل ليقترح جلسة تفاوضية أولى يعرض فيها الوفد اللبناني وجهة نظره، تعقبها جلسة ثانية يقترح فيها الوسيط الأميركي العودة في التفاوض إلى النقطة الصفر. لكن الأمور وصلت في الجولة الأولى إلى حائط مسدود.
نقلت السفيرة الأميركية إلى أبوصعب موعداً مقترحاً لزيارة الوفد المفاوض إلى بيروت، فطلب وقتاً للحصول على جواب بشأن هذا الاقتراح. لكن السفيرة الأميركية أبلغته أنها تواصلت مع الوفد اللبناني المفاوض أو قيادة الجيش وحصلت على تأكيدات بإمكانية ذلك. ومع استغراب أبوصعب الأمر، دعاها إلى التأكد فجزمت له بأن لديها تأكيدات رسمية بأن الوفد اللبناني المفاوض وافق على عقد جلسة تفاوضية شكلية أولى، تتبعها جلسة ثانية في اليوم التالي تعود إلى النقطة الصفر. على هذا الأساس، أتى الوفد الأميركي إلى لبنان، وبدأ اليوم الأول كما كان متفقاً عليه، قبل أن يبلغ الفريق اللبناني الوفد الأميركي بأنه لن يعود إلى النقطة الصفر في اليوم التالي كما كان الأميركيون يعتقدون، وهو ما تسبّب بإحراج كبير للسفيرة التي كانت قد أكدت لإدارتها الاتفاق مع قيادة الجيش، وأرسلت لأكثر من شخص ما مفاده أنها سئمت من الكذب عليها.
مع تغيّر الإدارة الأميركية وحصول الانتخابات الإسرائيلية والتناقضات اللبنانية، تراكم التأخر حتى جمد الملف بالكامل، قبل أن يعيّن رئيس جديد للفريق الأميركي المفاوض، فتحت علاقته بإسرائيل الباب واسعاً أمام حملة لبنانية كبيرة وجدية. ومع زيارة هوكشتاين لبنان، بادر فوراً إلى عقد اجتماع علنيّ في مقهى في مكان عام مع رئيس الوفد اللبناني المفاوض، ليوصل رسالة واضحة وعلنية بهذا الخصوص. وهنا بدأت التناقضات الكثيرة تظهر بين ما يقوله مقربون من قيادة الجيش حول الحقوق اللبنانية والخط 29، وما ينقله مقربون من رئاسة الجمهورية عن الأميركيين حول ما يتبلّغونه من قيادة الجيش، مع وجود تسجيلات صوتية ورسائل هاتفية توثق تأكيد الوفد اللبناني المفاوض بأن الخط 29 هو خط تفاوضي وليس ثابتاً. وفي وقت قالت فيه إسرائيل إن حدود لبنان هي الخط 1، قال الوفد اللبناني إن حدود لبنان هي الخط 29، ويمكن البدء بالتفاوض من هنا، ولا شيء نهائيّ. هذا ما أكدته رسائل شاركها الأميركيون مع أفرقاء لبنانيين معنيين بملف ترسيم الحدود. وهو ما ضاعف حيرة رئاسة الجمهورية التي اعتمدت موقفاً واحداً في السر والعلن لجهة التفاوض بشأن تحديد الحدود، فيما تُشنّ عليها حملة تخوين شعواء ممن يزايدون في العلن ويتنازلون في السر. في النتيجة، أطال الوسيط الأميركي الغياب قبل أن يعود إلى حيث كانت عليه الأمور قبل إضاعة كل هذا الوقت، مع موافقة الوفد اللبنانيّ المفاوض، وتأكيد قيادة الجيش أنها مع ما تقرره السلطة السياسية، مع العلم بأن الوسيط الأميركي كان قد سمع كلاماً واضحاً من وزير الخارجية عبد الله بوحبيب في زيارة سابقة، بأن الاتفاق الجدي يحصل مع الرؤساء الثلاثة، وهم وحدهم من يضمنون له عدم إضاعة الوقت، وأن عليه توفير جهوده بهذا الخصوص بحياكة اتفاق مع الرئاسات الثلاث.
وتؤكد معلومات «الأخبار» كل ما سبق ذكره بشأن الجزء المتعلق بهوية الحقل وكيف سيتم تقاسم عائداته، أما في ما خص الخط الحدودي فتؤكد المعلومات أن لا عودة إلى «خط هوف»، فيما الخط 23 تحصيل حاصل، ويتركز المسعى اليوم على التقدم نحو الخط 24 أو 25، لكن ليس 29، من دون أن يكون هناك أي اتفاق نهائي بهذا الشأن.
يذكر أن هوكشتاين مرّ بعاصمة أوروبية في طريقه إلى بيروت، في وقت كان فيه رئيس حزب التيار الوطني الحر جبران باسيل في العاصمة نفسها، كما غادر بيروت إلى الإمارات العربية المتحدة من مطار بيروت في وقت كان فيه باسيل في المطار في طريقه إلى الدوحة أيضاً، من دون وجود ما يؤكد أو ينفي حصول لقاء بين الرجلين.


هوكشتين: ضيّقنا الفجوات
أكّد «الوسيط الأميركي» آموس هوكشتين، أمس، أن مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل «في نهايتها». وأوضح في ندوة نظمها معهد الإعلام في «مؤسسة مي شدياق» في بيروت، «أننا الآن في نهاية هذه العملية. نحن بحاجة للوصول إلى نقطة حيث يقرر الأطراف أنهم يريدون حلاً». وأعرب عن اعتقاده بأن «هناك فرصة سانحة الآن لترسيم الحدود، وقد قمنا بتضييق الفجوات، ويمكننا التوصل إلى اتفاق. لكن في نهاية المطاف، الولايات المتحدة ليست طرفاً فيه، وعلى لبنان أن يقرر إن كان يريد اتفاقا مع إسرائيل، حتى يتمكن من الدخول في أعمال الاستكشاف، والحصول على الاستثمار الأجنبي المباشر، وعلى النشاط الاقتصادي، والحصول على الموارد الخاصة».