لم يكُن سهلاً معرفة ما حمله الوسيط الأميركي (حامل الجنسية الإسرائيلية) آموس هوكشتين إلى بيروت، بسبب الاتفاق بين الجهات المعنية على التكتّم عن «العرض» الذي قيلَ إنه طرحه في لقاءاته. باستثناء التأكيد على أن «الأجواء إيجابية وهناك خطوة متقدّمة تصبّ في صالح لبنان»، تجري النقاشات على نطاق ضيق جداً، وتمّ إبلاغ المعنيين بـ «ضرورة عدم الإفصاح» عن التفاصيل.المؤكّد، بحسب مصادر، أن «الأميركيين يستعجلون الوصول إلى اتفاق قبل شهر آذار، موعد بدء العدو الإسرائيلي بالتنقيب عن النفط في حقل كاريش»، وأن «الحديث عادَ الخطوط، ونحن أننا قريبون جداً من نيل مطلب لبنان الرسمي، وهو الخط 23... لكن مع شحطة».
فما معنى هذا الكلام؟ وما دقّة ما جرى تسريبه في الأيام الماضية حول تقاسم الحقول والشركات؟
يومان قضاهما الوسيط الأميركي في بيروت كانا «الأكثر زخماً وإيجابية»، والتقى خلالهما رئيس الجمهورية ميشال عون، رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وزير الخارجية عبدالله بو حبيب، وزير الطاقة وليد فياض، قائد الجيش العماد جوزف عون، المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، وختمها باجتماع مطوّل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري بحضور السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا ومستشار بري للشؤون الديبلوماسية علي حمدان، والحصيلة بحسب المتابعين جاءت وفقَ الآتي:
- في لقائه قائد الجيش، بحضور شيا، لم يدخل هوكشتين في تفاصيل تتعلّق بالثروة النفطية ولا تقاسم الحصص، لكنه استفهم منه عن موقف الجيش من الخطوط، فأجابه عون بأنه «ملتزم بقرار القوى السياسية». وبدا أن قائد الجيش يتصرف كمن استُبعِد عن الملف برمّته، منذ استبدال المفاوضات غير المباشرة برعاية أممية (في مقر «اليونيفل» في الناقورة) بدبلوماسية الزيارات المكوكية بين بيروت وتل أبيب، ولذا فإن موقف الجيش أياً يكُن لن يقدّم أو يؤخّر.
- كان الزائر الأميركي مرتاحاً جداً بعد لقائه رئيس الجمهورية، وكانَ «سعيداً جداً» بالجلسات التي عقدها مع فريق الرئيس، ولا سيما العشاء الذي أقامه على شرفه النائب الياس أبو صعب (المكلّف من عون التواصل مع الأميركيين حول الملف)، وسمع هوكشتين خلاله كلاماً يتناسب مع اقتراحه وهو أن «لبنان يعتبر الخط 29 خطاً تفاوضياً ولا يتمسّك به، وأن لبنان يقبل بالخط 23 (أي الـ 860 كيلومتراً مربعاً) مع الحصول على مساحة إضافية محدودة جنوب الخط، لحفظ ماء الوجه، والإيحاء بأن لبنان حصّل مساحة إضافية».
- هذا الكلام أراح الضيف الأميركي الذي اعتبره قبولاً بخط متعرّج، وترجمته حصول لبنان على الخط 23 إضافة إلى حقل قانا للجانب اللبناني، مقابل التنازل عن باقي المنطقة المتنازع عليها، فيكون حقل «كاريش» للجانب الإسرائيلي، وبالتالي فإنه مع ترسيم الخطوط لا «تعود هناك من حاجة إلى البحث في الثروة الغازية لأن آلية توزيع الحقول تصار وفقاً للخطوط التي قبل بها الجميع، ويصبح الحديث عن الشركات المنقّبة تفصيلاً»، وحينها كل طرف يستطيع أن يتصرف بحصته ويبدأ أعمال التنقيب، وهو ما دفع الى تجميد النقاش بشأن تقاسم الثروة وشركات التنقيب.
- تقاطعَ هذا الجوّ مع جزء سرّبه مسؤولون معنيون اجتمعوا بالوسيط الأميركي، نقلوا لـ«الأخبار» أن «لبنان يقترب من تثبيت خط حدوده البحرية (الخط 23) وتبقى تفاصيل صغيرة تتعلق بالحصول على حقل قانا»، مؤكدين أنه «لم يتمّ التطرق إلى شركات تتقاسم الأرباح، فلبنان يرفض تقاسم الحصص وهو موقف أبلغه بري لهوكشتين». بمعنى آخر، يحاول لبنان الخروج من طرح «التطبيع الاقتصادي المقنّع» بالقبول بالخط 23 مع تحصيل حقل قانا.
أياً يكُن موقف الجيش فلن يقدّم ولن يؤخّر


واعتبرت مصادر معنية بالملف أن ما حصل «تطوّر إيجابي»، إذ يعبّر عن «تنازل أميركي عن مبدأ خط هوف واعتراف بحدود لبنان وفقَ الخط 23»، فيما أعطى هوكشتين مهلة أسابيع قليلة للقوى السياسية لتقدم موقفاً رسمياً موحّداً «وإذا كانَ الموقف إيجابياً سيعود الوسيط الى لبنان وفلسطين المحتلة للإعلان عن هذا الاتفاق». وكانَ لافتاً الجو الذي أُحيط بالزيارة والتسويق لفكرة أن الطرح الجديد هو فرصة أخيرة للبنان لا بد من استثمارها لمساعدته في الخروج من أزمته المالية الاقتصادية، وهو ما وضعته مصادر سياسية في إطار الضغط على لبنان.



«الكونغرس» يصعّد: لا لاستجرار الغاز عبر سوريا
تتصاعد الأصوات المُعترضة داخل الكونغرس على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ويضغط أعضاؤه لتوقيف اتفاقات الطاقة بين لبنان ومصر والأردن عبر سوريا. فبعد انتقادات وجّهها مسؤولون أميركيون (من بينهم المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا جويل رايبورن وعضو الكونغرس عن الحزب الجمهوري جو ويلسون) للسفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا بعد تسليمها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كتاباً تطمئن بموجبه إلى عدم تعرض لبنان لأي عقوبات إثر استجرار الغاز عبر سوريا، وجّه كبار أعضاء لجنة العلاقات الخارجية السيناتور جيم ريش والنائب مايك ماكول رسالة حادّة اللهجة الى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، اعتبرا فيها أن «الإدارة تبرر الإعفاء من العقوبات، بالقول إن هذه المساعدة ستساعد في عدم انهيار لبنان، لكن ذلك يتطلّب تعاملاً محدوداً مع نظام الأسد». ولفتا إلى أن «قطاع الطاقة هو حفرة سوداء للفساد، وهذه الاتفاقية لن تساعد نظام الأسد فحسب، بل ستعزز الفساد». وتخوّف عضوا الكونغرس من أن تؤدي هذه الإعفاءات إلى الالتفاف على «قانون قيصر» في المستقبل، وخصوصاً أن «دعم مثل هذه الصفقات سيُظهر أن البيت الأبيض غير مستعدّ لتطبيق قانون العقوبات، وسيشجع اللاعبين الدوليين على البحث عن ثغرات لتجنّبها». وطالبت الرسالة بلينكن بإعادة النظر في دعمه لصفقات الطاقة عبر مناطق «النظام السوري» والبحث عن طرق بديلة لدعم لبنان، من خلال تطبيق الإصلاحات اللازمة لمعالجة أزمته الاقتصادية المستمرة. وحثّت على اتباع القانون وعدم التنازل عن قانون قيصر لـ«إيصال رسالة إلى العالم بأن هذا التشريع المكوّن من مجلسين من الحزبين هو الإطار الأساسي الذي تنظر واشنطن من خلاله في التعامل مع النظام السوري».