«ما يجعل النّاس برابرة أو مُتمدّنين إنّما هو المرأة»
بطرس البستاني (1819 - 1883)


تنص مواثيق حقوق الإنسان على أن للمرأة والرجل الحقوق نفسها. مع ذلك، غالبًا ما يتم التعامل مع النساء بدونية. على سبيل المثال، تُحرم كثيرات من النساء من الحق في التعليم وفي الحصول على أجر متساوٍ عن العمل نفسه. ومن أبرز مصادر التمييز ضد المرأة في لبنان:

■ منح السلطات الدينية صلاحية تنظيم مسائل الأحوال الشخصية بموجب المادة (9) من الدستور. ويشكل ذلك أحد المصادر الأساسية لتكريس التمييز ضد المرأة، خصوصًا في قضايا الزواج والطلاق وحضانة الأطفال والإرث.
■ الاعتبارات الاجتماعية، إذ تلعب الثقافة المجتمعية دورًا مهمًا في نشر الوعي بحقوق المرأة، والتخلص من العادات الباليّة كالزواج المبكر وحصر وظيفة المرأة في العناية بالزوج والأطفال وسائر افراد العائلة.
■ الاعتبارات السياسية، إذ لا تزيد نسبة مشاركة المرأة في البرلمان على 5%، علمًا ان اقتراحات قوانين عدّة قُدِّمت لإدخال نظام «الكوتا» النسائية في قانون الانتخابات، لكن أيًا منها لم يُقر حتى اليوم. كما لا يحق للمرأة اللبنانية إعطاء الجنسية لأولادها، ويتذرع بعض المُشرّعين لحرمانها من هذا الحق بعوامل ديموغرافية واعتبارات سياسية وبارانويا «التجنيس».

الضابطة العدلية بالمؤنث

يبلغ عديد النساء في قوى الأمن الداخلي نحو ٩٠٠ امرأة، بينهن ٢٠ ضابطة، وفي أمن الدولة حوالي ٤٠٠ بينهن ضابطتان، وفي الأمن العام حوالي ٨٠٠ بينهن ٥ ضباط


■ التمييز الاقتصادي والنظرة النمطية الدونية للمرأة في مجال العمل والإنتاج وكسب المال. فرغم أن المرأة تُمثل أكثر من نصف المجتمع، وأن 44% من حملة الشهادات الجامعية العليا هم من النساء، لا تزال مشاركة المرأة في سوق العمل تتقدم على نحو بطيء، ولا تتعدّى 29% من القوى العاملة في لبنان. علمًا ان تحرّر المرأة اقتصاديًا يؤمن لها نوعًا من التحرّر الاجتماعي والسياسي.
تشغل حقوق المرأة موقعًا بارزًا على خريطة الفكر والثقافة، وهناك جهد واهتمام وسعي سياسي لتمكين المرأة، ليس فقط باعتبارها شريكًا مساويًا، ولكن لأنّ العبء الأكبر من التنمية المجتمعية يقع على عاتقها. وقد حصّلت المرأة اللبنانية حقها في الاقتراع والترشح عام 1953، أي في مرحلة مبكرة من عمر الجمهورية اللبنانية.
في الانتخابات النيابية الأخيرة، حقّقت السيّدات تقدّمًا في مشاركتهن في صنع القرار بعدما زاد عدد النائبات من ست (في دورة العام 2018) إلى ثماني سيدات هذا العام، من أصل 115 مرشّحة.
■ ثلاث نائبات أُعيد انتخابهن هنّ: بولا يعقوبيان، عناية عز الدين، وستريدا جعجع.
■ ثلاث نائبات دخلن البرلمان عن المجموعات «التغييرية» هنّ: نجاة صليبا، حليمة القعقور، سينتيا زرازير.
■ اثنتان انتُخبتا على لوائح حزبية هما: غادة أيوب وندى البستاني.
فهل يمكن للنائبات، بعددهن القليل، أن يُحدثنَ تغييرًا يسهم في إقرار القوانين المنصفة للمرأة ويلغي أو يعدل القوانين المجحفة؟
النائبة المنتخبة عن دائرة الشوف عاليه نجاة عون صليبا (مديرة مركز حماية الطبيعة وأستاذة مادة الكيمياء في الجامعة الأميركية في بيروت)، شددت على أهمية إقرار الـ«كوتا» على «ألا تكون النسبة أقل من 30% لترتفع لاحقًا إلى 50%. وبعدما يصبح هذا الأمر طبيعيًا وتعتاد الناس الفكرة، حينها يمكن إلغاء القانون». وأكّدت عون لـ«القوس» على أهمّية تعزيز دور المرأة في الحكم المحلّي أيضًا، إذ أن الـ«كوتا» يجبّ أن تُقرّ ليس فقط في المجلس النيابي، بل في المجلس البلدي.
وعن إشكالية حق المرأة اللبنانية في إعطاء الجنسية لأولادها، تجزم بأن «هذا حق، وإذا كان هذا الحق يُخيف بعض المذاهب، فليسقطوه عن الرجال أيضًا. أنا مع المساواة بين المرأة والرجل في كل الأمور». وأشارت إلى أنّها ستدعم إقرار قانون يقضي برفع سن حضانة الأم إلى ثمانية عشر عامًا.

«حجابي مش ضد العدل»
النائبة المنتخبة حليمة القعقور (دكتورة في القانون الدولي العام وحقوق الإنسان، انطلقت من الجامعة اللبنانية في كلية الحقوق والعلوم السياسية للدفاع عن حقوق المرأة) نشرت أبحاثًا في قضايا المساواة بين الجنسين. من القضايا المهمة التي دافعت عنها القعقور حق المرأة المُحجبة في دخول سلك القضاء من دون تمييز على أساس الدين أو الشكل أو اللباس. وهي عملت مع طالباتها في كلية الحقوق على تأسيس حملة «حجابي مش ضد العدل»، عام 2019، بهدف إلغاء التمييز تجاه المحجّبات كونه يتعارض مع حرية المعتقد الذي ينص عليه الدستور اللبناني (المادة 9)، والمعاهدات الدولية المصدّق عليها، كما يُعدّ إنتهاكًا واضحًا وصريحًا للمادة (7) من الدستور التي تنص على أنّ «كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية، ويتحمّلون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم». وكذلك المادة (12) التي تنص على أنّ «لكل لبناني الحق في تولي الوظائف العامة لا ميزة لأحد على الآخر إلّا من حيث الاستحقاق والجدارة حسب الشروط التي ينص عليها القانون».

نجاة عون: منح الجنسية حق وإذا كان هذا الحق يُخيف بعض المذاهب فليسقطوه عن الرجال أيضًا


وهي ندّدت أخيرًا، عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي على خلفية رفض توظيف فتاة محجّبة، بإجراءات التمييز مشيرة إلى أنه «بينما تتصاعد حدّة الأزمة الاقتصاديّة، يبدو مذهلًا استمرار فصول التمييز الدّيني الذي تمارسه مؤسّسات لبنانيّة على مواطنات محجّبات، مع رفض متجر السّوق الحرّة في مطار بيروت توظيف الشّابّة دينا الدّر لمجرّد ارتدائها الحجاب. هذه الإجراءات التي تمارس على أرض مرفق عام، تناقض حقّنا كنساء باختيار لباسنا، وكذلك حقّنا باختيار الرّموز الدّينيّة، وهو ما تكفله مقدّمة دستورنا والتزاماتنا الدوليّة، لا سيما المادّة 18 من العهد الدّوليّ الخاص بالحقوق المدنيّة والسّياسية.‏ وإضافة إلى المنطلق الحقوقيّ الذي لا يمكن المسّ به، فإنّ الأزمة الاقتصاديّة اليوم تتطلّب اعتماد سياسات لدمج النساء من دون تمييز في العجلة الاقتصاديّة، كشرط أساسيّ لتحقيق النّمو الاقتصاديّ».



العدالة أنثى؟
حضور المرأة في السلطة القضائية ازداد بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة ووصل إلى حد المناصفة، ويتوقّع أن تشكّل النساء غالبية القضاة خلال عامين. رغم ذلك، لا تزال هناك حواجز تعيق دخول المرأة إلى السلطة القضائية وتقدّمها المهني في سلك القضاء. ويبدو ذلك واضحًا في التوزيع الجندري للمراكز القضائية من زوايا عدّة. أوّلًا وفق فئتها: إذ لا تزال المرأة مستبعدة من بعض المناصب القضائية العليا والحساسة، ولا يزال تمثيلها ناقصًا بشكل واضح في بعض المجالات مثل القضاء العسكري والعدالة الجنائية. ثانيًا وفق الاختصاص الوظيفي: إذ لم تتمكن القاضيات من ترأس غرف في المحاكم الدينية التي تختص بكثير من مسائل الأحوال الشخصية ذات التأثير الكبير على حياة النساء والرجال. وأخيرًا وفق تواجدها الجغرافي: إذ يوجد ميل إلى تركّز القاضيات في العاصمة بيروت بدل المناطق الريفية.
مشاركة النساء بشكل كامل، وبالمساواة مع الرجل، في السلك القضائي هي غاية بحدّ ذاتها، لأنها تفي بحقهنَّ في المشاركة على قدم المساواة مع الرجل في كل جوانب صنع القرار.

* ستنشر القوس تقرير خاص عن «العنف ضد المرأة في لبنان» في آخر شهر حزيران المقبل


أبرز انتهاكات حقوق المرأة في العمل
◄ قوانين الضمان الاجتماعي: مثلًا عدم إقرار المساواة لاستفادة زوج المرأة العاملة المنتسبة الى الضمان اذا كان غير عامل وغير مضمون، من دون أي شروط. وعدم استفادة المضمونة من تعويض الامومة الا اذا انتسبت الى الضمان قبل عشرة أشهر من تاريخ الولادة.
◄ التفاوت في المداخيل بين الجنسين مقابل نفس العمل والانتاج
◄ فرصة الأمومة غير الكافية إذ تقتصر على عشرة أسابيع فقط تشمل المدة التي تسبق الولادة والمدة التي تليها.
◄ غياب خطة واضحة لدمج المرأة في سوق العمل، كتحديد ساعات العمل في بعض الوظائف، مما يجبر المرأة على تولي وظائف دون غيرها لتتناسب مع دورها كأم.
◄ حرمان المرأة المُحجبة من حقها في العمل في بعض الوظائف الخاصّة والرسمية كالقضاء مثلًا.


«الرسائل الزينبية»
هناك تصوّر شائع بأن المناداة بحقوق المرأة هو نهج غربي المنشأ، تمّ نشره وتسويقه في الدول العربية لزعزعة القيم الاجتماعية فيها، كونه وسيلة من وسائل الاستعمار الفكري. إلّا أنّ بداية المطالبة بحقوق المرأة العربية كانت على يد مفكّرين ومفكرات عرب في أواخر الحكم العثماني كجزء من الفكر النهضوي.


كانت الأديبة اللبنانية زينب فواز (1845-1914) من أوائل النساء اللواتي نادَينَ بالدفاع عن حقوق المرأة، وقد نشرت رسائل عن حقوق المرأة في الصحف المصرية عام 1892 سمّيت في ما بعد بـ «الرسائل الزينبية».
وهناك أيضاً رائد تحرير النساء العربيات، المفكّر قاسم أمين (1863-1908)، الذي ألّف عام 1899 كتابه الشهير «تحرير المرأة»، ونادى فيه بأفكار جذرية مثل «أنّ المرأة مساوية للرجل في كلّ شيء»، مشدّدًا على حريتها «في التعبير والعمل وعدم التحقير»، وداعيًا إلى مشاركتها في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
أما المفكّر بطرس البستاني (1819-1883) الذي نادى بحق المرأة بالتعليم والتحرّر في خطاب ألقاه عام 1849، فقد كان أوّل من كتب عن هذا الموضوع في كتابه «تعليم النساء»، تلاه عام 1869 المفكّر رفاعة الطهطاوي (1801-1873) الذي ألّف كتاب «المرشد الأمين في تعليم البنات والبنين»، وأكّد فيه أنّ تعليم المرأة من شأنه أن يسمح لها بأن تتساوى مع الرجل في العمل والانتاج.


أول قاضية لبنانية محجّبة في أستراليا


عيّنت ولاية نيو ساوث ويلز الأسترالية، مطلع أيار الجاري، المحامية الأسترالية اللبنانية الأصل رنا محمود ضاهر، قاضية في محاكم الولاية، لتصبح أول سيدة مسلمة محجبة تعيّن في منصب قضائي في أستراليا.
يذكر ان عدد القاضيات في المحاكم المحلية الاسترالية عام 2020 كان 57 سيدة فقط من مجموع 142 قاض وأن نسبة القاضيات في جميع محاكم الولاية في نفس العام كان 36 في المائة فقط.

.... وفي بريطانيا


عام 2020 عُينت رافيا أرشد، 40 سنة، نائبة قاض في محكمة ميدلاندز بعدما عملت لنحو 17 عاماً في مجال القانون. وقالت أرشد يوم تعيينها: "أعرف أن ما حصل لا يتعلق بي شخصياً. إنها مسألة مهمّة بالنسبة إلى جميع النساء، وليس فقط للمسلمات منهن، لكنها تعني الكثير للنساء المسلمات تحديداً".