مقالات مرتبطة
في الواقع، مجرّد تعزيز أموال الصندوق يعني عملياً حصول كل قاض على 11 راتباً خلال شهرين، إنما بموجب «الهندسة» ستصبح الـ35 ملياراً نحو 186 مليار ليرة، ما يعني زيادة بنحو 16 راتباً خلال الشهرين المقبلين. لكن لا حدود لإسراف سلامة على القضاة؛ فهو أبلغهم بأن الهندسة الجديدة «أفضل لهم» من كل النواحي. إذ إنها تتضمن «هندسة» فوق «الهندسة» يتولى مهمتها رئيس الصندوق المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم، بالتنسيق مع بنك لبنان والمهجر. فالمفترض أن يقوم المصرف بصرف رواتب القضاة بعد إضافة الزيادات المسجلة بفعل نفخ أموال الصندوق، ثم تحويلها إلى الدولار النقدي على منصّة صيرفة. فعلى سبيل المثال، إذا كان راتب القاضي يبلغ 56 مليون ليرة لبنانية شهرياً وفق المعادلة الجديدة، فهو سيحصل على ألفي دولار من المصرف بموجب اقتسام هذا المبلغ على سعر دولار منصّة صيرفة الذي يوازي 26 ألف ليرة.
إرضاء القضاة وترك بقية موظفي القطاع العام يتسوّلون على أبواب المسؤولين، سيزرع الشكّ في نفس القاضي قبل غيره. ربما سيؤدي لاحقاً إلى تضارب في المصالح خلال أي دعوى قضائية ضد مصرف لبنان والمصارف، ويصبح عندها تنحي القاضي مشروعاً. رغم ذلك، لا تجد لجنة المتابعة القضائية، حرجاً من الاعتراض على نشر هذه الهندسة على صفحات «الأخبار»، بل عمّمت اللجنة رسالة إلى القضاة وصفت فيها «الأخبار» بأنها جريدة صفراء، وبأنها تسعى لتحريض القطاع العام على القضاة. وفي مسعى لإسكات «الزملاء القضاة اللائمين والمشككين»، آثرت اللجنة ابتزازهم عبر سؤالهم: «هل تعيبون على اللجنة لقاء حاكم مصرف لبنان في وقت سبق أن قبلتم به بالآلية القديمة وقبضتم رواتبكم وفقاً لها من دون اعتراض أو استنكاف؟». وتابعت تبرير لقاء حاكم مصرف لبنان، الملاحق بقضايا تزوير وتبييض أموال في لبنان والخارج بالقول: «هو بحكم موقعه واختصاصه وليس لشخصه، وطالما هو في موقعه لا بد من التعامل معه على هذا الأساس لحين كفّ يده عن القيام بوظيفته». وكان لافتاً أن تقرّ اللجنة بأن سبب لقائها بسلامة «للمطالبة باستمرار الآلية القديمة لحين دخول الآلية الجديدة حيّز التنفيذ، وإلا لتسريع العمل بهذه الأخيرة من جهة، ولضمان عدم الرجوع إلى الوراء بعد نفاد المبلغ المرصود للآلية الجديدة من جهة ثانية».
في هذا السياق أتى بيان رئيس الجمهورية ميشال عون أمس، داعياً القضاة إلى «التحرّر الكامل من أي ترغيب أو ترهيب، وهما جرمان لا يليقان بالسلطة القضائية»، ومواجهة كل من يقيد عدالة القضاء في المصرف المركزي. وذكّر عون بدعوى الحق العام على سلامة بجرائم الاختلاس والتزوير وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتهرب الضريبي، وما حصل بعدها من تقاسم القضاة المعنيين التهرّب من المسؤولية. وأشار إلى أن «القضاء المسيّر أو المأسور يعني في مكان ما أن هناك من يقيّده»، خاتماً البيان بدعوة القضاة إلى الانتفاض لكرامتهم وسلطتهم وبألا يهابوا ظلم أصحاب النفوذ.