في كل دول العالم يكتسب المواطن هوية واحدة، اما في لبنان فله هويتان: هوية وطنية وأخرى طائفية بعد انتهاء الحرب الاهلية، كان الهدف المعلن لاتفاق الطائف خروج لبنان من الحرب الطائفية نحو دولة علمانية، الا ان السلطات السياسية تعمّدت وضع حجر عثرة في وجه هذه الخطوة متذرعة بالتنوع الديني ووجوب حماية الحريات الدينية المنصوص عنها في المادة التاسعة من الدستور
«حرية العقيدة مطلقة وعلى الدولة وجوب احترام جميع الأديان والطوائف، وضمان ممارسة الشعائر الدينية بحرّية، واحترام المصالح الدينية وقوانين الأحوال الشخصية»
في لبنان اكثر من 15 قانوناً للأحوال الشخصية، تتعلق بشكل رئيسي بالديانات المسيحية والاسلامية واليهودية. ومن شأن ذلك ان يخلق تفاوتاً ضمن المجتمع الواحد في الحقوق التي يتمتّع بها الأشخاص من خلفيّات دينية مختلفة، وهي ظاهرة تُناقض روح المادة 7 من الدستور اللبناني: «كل اللبنانيين سواء لدى القانون، وهم يتمتّعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحمّلون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم» فالمواطنون اللبنانيون ليسوا سواء أمام القانون عندما يتعلق الأمر بأحوالهم الشخصية والقوانين التي يخضعون لها. اذ تختلف هذه القوانين باختلاف طوائفهم وتكوينهم، في ما يتعلق بالسن القانوني للزواج، الطلاق، حضانة الأطفال وغيرها
كما يمنع على الأقليات الدينية وأتباع الطوائف غير المعترف بها (البهائيون، العلويون، الهندوس، البوذيون، شهود يهوه، ومختلف الجماعات الإنجيلية البروتستانتية) الزواج أو الطلاق أو الميراث وفقاً لمعتقداتهم الخاصة، ويحتاجون إلى التسجيل تحت أحد المذاهب الثمانية عشر المعترف بها رسمياً.
الإبقاء على 15 نظاماً للاحوال الشخصية يكرّس مبدأ تدخّل السلطات الدينية في التشريع في كل ما يتعلق بالأحوال الشخصية للمواطنين، ويساهم بارتباطهم مباشرة بالمذاهب التي ينتمون إليها بدل انتمائهم إلى الدولة
ونظراً إلى أهمية قوانين الاحوال الشخصية باعتبارها اساساً لارساء المساواة بين افراد المجتمع، لا سيما بين الرجل و المرأة، وتأثيرها المباشر على القوانين الجنائية والدستورية، إذ من شأنها تشييد الأسس القانونية التي تهدف إلى الحماية من العنف، كتزويج الأطفال والتحرّش الجنسي والعنف الاسري، ودورها المهم في تحديد العلاقات الاجتماعية ؛ فهي التي تنظم شؤون الأسرة والعلاقة بين أطرافها، وتحدد حقوق وواجبات كل من أفرادها وعلاقاتهم،
لا بد من البدء في تنظيم الأسرة باعتبارها الركيزة الاساسية للمجتمع من خلال قانون موحّد للأحوال الشخصية يضمن المساواة بين جميع اللبنانين، مع التأكيد على احترام المعتقدات والشرائع الدينية، قانون يحاكي مجتمعنا وعاداته وتقاليده ولا يخاصمه، يحمل المجتمع بكل أطيافه الى الوعي المدني من خلال مفهوم الشراكة الكاملة في بناء الاسرة من دون تغليب طرف على آخر.