في لبنان فئتان أساسيتان من «مكتومي القيد»، تشمل الأولى غير المدرجين في سجلات الأحوال الشخصية رغم أن لأصولهم قيوداً في هذه السجلات، وتضم الثانية من ليست لأصولهم أي قيود، رغم أن معظم هؤلاء كانوا موجودين على الأراضي اللبنانية عند نشأة الدولة اللبنانية، وذلك بسبب عدم تسجلهم أو عدم ورود أسمائهم في إحصاء 1932.مكتومو القيد قضية إشكالية تتداخل فيها العوامل الشخصية للأفراد، كقلة الوعي بأهمية تسجيل الولادات، والعوامل السياسية والقانونية، حيث تطغى الحسابات الطائفية على الجانب الحقوقي الإنساني لناحية منح الجنسية اللبنانية.
وقد لعبت الحرب الأهلية والقانون اللبناني الذي يحرم الام من إعطاء جنسيتها لأبنائها دوراً في زيادة اعداد مكتومي القيد ممن ولدوا من أمهات لبنانيات تزوجن من أجانب، من دون تسجيل الزواج والولادات.


ويفاقم من هذه المشكلة الإهمال والجهل بأساليب التسجيل في سجلّات النفوس خلال المهل القانونيّة، والاعتماد على المخاتير لإجراء هذه المعاملات من دون متابعة، وعدم اللّجوء إلى القضاء لرفع دعاوى لقيد الأولاد.
وتضاف إلى مكتومي القيد، اليوم، شريحة جديدة - ولو محدودة - تتمثّل في الولادات الناتجة عن عقود الزواج المدني التي تمت على الأراضي اللبنانية ورفضت وزارة الداخلية تسجيلها في دوائر النفوس.
وقد يتعذر أيضاً تسجيل الولادات بسبب جنسية أحد الوالدين او كليهما الاجنبية في حالات لا يمكنهم فيها تسجيل زيجاتهم وولادات اطفالهم سواء في لبنان او في بلدهم الاصلي، فينتهي الأولاد من دون قيود، كحالة اللبنانية المتزوجة من أجنبي لاجئ لا يستطيع تسجيل زواجه في بلده الاصلي. كذلك قد تمتنع المرأة اللبنانية عن تسجيل زواجها خوفاً من ملاحقة الزوج بسبب اقامته غير المشروعة مثلاً، ما يؤدي الى ولادات غير مسجلة وحالات من مكتومي القيد. وتُضاف إلى هؤلاء الولادات الحاصلة خارج إطار الزواج بسبب نظرة المجتمع إلى العلاقات خارج رباط الزواج، والتي ينتج عنها أولاد لا يتم تسجيلهم او الاعتراف بهم.


وتزداد حالات مكتومي القيد عندما يمارس هؤلاء أهم حقوقهم في الحياة، وهو الزواج وبناء أسرة. فرغم أنهم يعقدون زيجات شرعية وفقاً للمعيار الديني، إلا أنها لا تكون قانونية ولا يمكنهم تسجيلها لعدم حيازتهم الوثائق اللازمة للتسجيل، فتنتج عن هذه الزيجات ولادات غير مسجّلة، وبالتالي أفواج جديدة من المكتومين.
أما الفئة الاخيرة فهم أولئك الذين لم يتسجلوا في احصاء عام 1932 رغم أنهم كانوا يقيمون في لبنان بتاريخ 30 آب 1924. فوفق القرار 2825، كل شخص من التابعية التركية كان مقيماً في اراضي لبنان الكبير بتاريخ 30 آب 1924 يمكن ان يعدّ حكماً لبنانياً، ويمكن ان يستفيد مكتومو القيد من هذه الأحكام لاثبات جنسيتهم اللبنانية. وقد أعطى القانون للمحاكم صلاحية النظر في الدعاوى المتعلقة بمكتومي القيد بناء على معاهدة لوزان والقرار 2825 التابع لها. لذلك، يتوجب على مكتومي القيد ممن تتوافر فيهم شروط معاهدة لوزان والقرارين المذكورين التقدّم من المحاكم اللبنانية بطلب تسجيلهم والاعتراف بجنسيتهم اللبنانية، ما من شأنه ان يقلل من حالات مكتومي القيد.

حياة بلا حقوق
مكتومو القيد في لبنان محرومون من التمتع بالحد الأدنى من الحقوق التي يتمتع بها المواطنون اللبنانيون بحكم القانون او تلك المنصوص عليها في المواثيق والاتفاقيات الدولية من التعليم الى الطبابة والزواج وسائر الحقوق المدنية.
الحرمان من الحقوق السياسية، وتشمل الحق في المشاركة في الانتخابات، اقتراعاً وترشحاً، وتولي الوظائف العامة وأداء الخدمة الوطنية والدفاع عن الوطن.
الحرمان من حق التعلم، فرغم أن وزارة التربية والتعليم العالي تسمح للاطفال المكتومي القيد بالإلتحاق بالمدارس الرسمية بعد تقديم ورقة من المختار تعرّف عنهم، الا أن هؤلاء يواجهون عقبات تحول دون متابعة دراستهم، لاضطرارهم للعمل في سنّ مبكرة أو بسبب تعرضهم للتمييز والاهانات التي تدفع عدداً كبيراً منهم الى التسرّب المدرسي.
الحرمان من الحق بالطبابة، فبحسب العهد الدولي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، لكل إنسان التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسدية والعقلية/النفسية. وليس خافياً عدم قدرة الأطفال والعائلات اللبنانية المكتومة القيد على الحصول على خدمات الرعاية الصحية الملائمة وعلى ضمان إجتماعي وتأمين خاص لتغطية كلفة خدمات الرعاية الصحية المكلفة.
الحرمان من حق العمل، إذ تنص المادة 23 من الميثاق الدولي لحقوق الانسان بأنه لكل شخص الحق في العمل، وفي حرّية اختيار عمله، ضمن شروط عادلة ومرضية، وفي الحماية من البطالة و«لجميع الأفراد، دون أي تمييز، الحق في أجر متساو على العمل المتساوي، ولكلِّ فرد يعمل حقٌّ في مكافأة عادلة ومُرضية تكفل له ولأسرته عيشةً لائقة بالكرامة البشرية، وتُستكمَل، عند الاقتضاء، بوسائل أخرى للحماية الاجتماعية». يُعدّ الحق في العمل أحد أهم حقوق الإنسان، وتقع على الدولة مسؤولية توفير فرص العمل لمواطنيها. الا ان مكتومي القيد لا يحصلون في الواقع على هذا الامتياز، فيعيشون في فقر بسبب عدم قدرتهم على تأمين مدخول ثابت، ما يدفع بجميع أفراد العائلة بمن فيهم الأطفال إلى العمل كمياومين، في الزراعة وتحميل البضائع وأعمال البناء وغيرها، في ظروف قاسية ومقابل أجر أقل. وهذا ما يدفع بعضهم الى التسول او ارتكاب جرائم كالسرقة.
هذا جزء بسيط من الحقوق التي يحرم منها مكتومو القيد، يضاف اليه الحرمان من حق التملك والتنقل بحرية، ناهيك عن الاخطار التي يتعرضون لها لعدم امتلاكهم أوراقاً ثبوتية أو شخصية قانونية، واستغلالهم وتعرضهم للعنف والاتجار بالبشر والسجن والانحراف وغيرها من الارتكابات.
وتتفاقم المشكلة مع مرور الوقت من دون أن تعمل أي من الجهات الرسمية او القانونية على ايجاد حل لها، عبر تحديث التشريعات التي تحفظ كرامتهم والاسراع في بت المحاكمات رغم استحالة هذ الأمر في ظل الازمة القضائية التي يعيشها لبنان. والمؤسف أن الدولة اللبنانية، بدل تطبيق بنود المعاهدات الدولية (معاهدة حقوق الطفل والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية) ونصوص الدستور وشرعة حقوق الإنسان والتشريعات التي تحدّ من ظاهرة مكتومي القيد، تعيق تطبيقها نظراً إلى تحوّل الأمر الى قضية سياسية طائفية يجري استغلالها في البازارات الانتخابية.
وفي إطار الوصول إلى حلّ ينقذ الولادات الجديدة من عدم الحصول على الهوية، يجب العمل على نشر الوعي بين الأهل بأهمية تسجيل الاطفال الحديثي الولادة، في انتظار اصدار قانون يلزم بالتسجيل واستحداث آلية تضمن الزامية التسجيل كاستحداث أقسام داخل المستشفيات مهمتها ابلاغ الدوائر الرسمية او المخاتير بالولادات الجديدة ليصار الى تسجيلها حكماً.

اقتراحات مشاريع قوانين للمعالجة
في 13 تموز2021، تقدم النائب اسامة سعد باقتراح قانون «التسجيل المدني للأحوال الشخصية» الذي يهدف الى تطوير نظام وآليات قيد وقوعات الأحوال الشخصية، وشمولها لكل فرد متواجد على الاراضي اللبنانية، واستبدال نظام السجلات الورقية بنظام بيانات الكترونية، واعطاء رقم وطني لكل لبناني، ورقم تعريفي لغير اللبناني يشمل غير اللبنانيين العديمي الجنسية. هذا المشروع من الخطوات المهمة التي تساعد على حل مشكلة مكتومي القيد، لا سيما لناحية الاطفال الذين يولدون خارج اطار الزواج حيث يعطي الحق لأحد الوالدين المعترف بالمولود بتسجيله على اسمه، وغيرها من المواد التي تستحق المطالعة (مرفق مشروع القانون للاطلاع)
تضاف إلى مكتومي القيد، اليوم، شريحة جديدة تتمثّل في الولادات الناتجة عن عقود الزواج المدني التي تمّت على الأراضي اللبنانية ورفضت وزارة الداخلية تسجيلها


وفي انتظار ان تشرع الدولة قانوناً جديداً للاحوال الشخصية تراعى فيه كل الثغرات، لا بد من ادخال بعض التعديلات على عدد من التشريعات الموجودة حالياً، والتي قد تساعد في الحد من تفاقم الازمة. ومنها على سبيل المثال:
■ تعديل المادة 501 قانون عقوبات (19)، واعتبار اهمال الاهل في تسجيل أبنائهم من الجرائم المتعلقة باهمال الواجبات العائلية المنصوص عنها في هذه المادة (نص في المادة 501 المعدلة وفقا للقانون 239 تاريخ 27/5/1993: «إن الأب والأم اللذين يتركان في حالة احتياج ولدهما الشرعي أو غير الشرعي أو ولدا تبنياه سواء رفضا تنفيذ موجب الإعالة الذي يقع على عاتقهما او أهملا الحصول على الوسائل التي تمكنهما من قضائه يعاقبان بالحبس مع التشغيل ثلاثة أشهر على الأكثر وبغرامة لا تتجاوز المائتي ألف ليرة}.
■ اجراء تعديلات في قانون الجنسية واعطاء الأم حقّها بمنح أوﻻدها جنسيتها بحيث تصبح المادة الأولى منه: يعدّ لبنانياً من وُلد لأب أو أم لبنانية، وتصحيح وضع حملة جنسية قيد الدرس، وهم اجانب أو عديمو جنسية تقدموا للحصول على الجنسية اللبنانية بموجب المادة الثالثة من القرار 15 لعام 1925 المتعلقة بالتجنس بالجنسية اللبنانية ولم يكتسبوها.
■ توسيع صلاحية المخاتير ليكون المختار مسؤولاً عن تسجيل الشهادات الثبوتية في دوائر النفوس بعد تبلّغه مباشرة، وبشكل الزامي، من قبل المستشفى او الطبيب او القابلة القانونية.
■ الزام المراجع الدينية بالتبليغ عن كافة الوقوعات التي تحصل امامهم كالزواج والطلاق وغيرهما الى دوائر النفوس ليصار الى تسجيلها خلال مهلة معينة على ان تقيد بتاريخ الحصول، وذلك تلافياً للتبعات التي تحصل بسبب تأخر الاطراف عن تنفيذها.
■ معالجة الصعوبات التي يواجهها مكتومو القيد امام المحاكم الوطنية، وتتمثل بالجهل باجراءات التسجيل وصعوبة وصولهم الى المعلومات والمستندات من مصادر رسميّة تمكنهم من اثبات الواقعات التي يدعون بها من جهة، وارتفاع كلفة الدعاوى والمصاريف ككلفة فحوص الحمض النوويّ، وكلفة المستندات المطلوبة من مختلف الجهات المعنيّة وأتعاب المحامين المرتفعة.
■ معالجة مشكلة التأخر في الاجراءات القضائية غير المحددة المدة كالتبليغات التي تبلغ للدولة وتأخذ اكثر من الوقت المعتاد ما يؤدّي إلى تأخّر كافة إجراءات الدعاوى. كما يجب الحدّ من الردود غير المجدية الصادرة عن محامي الدولة بقصد المماطلة.



ضبط قيود وتسوية أوضاع مكتومي القيد وفئة قيد الدرس
تبين للمديرية العامة للأمن العام ورود طلبات الحصول على جوازات إقامة فئة قيد الدرس لأشخاص مكتومي القيد معظمهم ولد على الأراضي اللبنانية، ومن بينهم زوجات لبنانيين. بعض هؤلاء متحدّر من أصل لبناني ولم يتم تسجيلهم بسبب إهمال الأهل، والبعض الآخر ولد من أب من فئة قيد الدرس، وجميعهم يتنقلون بموجب إفادة تعريف من المختار.

(مروان بوحيدر)

تقضي الضرورة بوضع آلية لتحديد المعايير والشروط والمستندات والإثباتات المطلوبة لضبط قيودهم تمهيداً لتسجيلهم في فئة قيد الدرس.
المعايير والشروط والمستندات والإثباتات المطلوبة:
بالإضافة إلى إثبات زواج الوالدين وتقديم صور عن مستنداتهما الثبوتية، ينبغي على طالب التسجيل في فئة قيد الدرس تحقيق الأوضاع التالية:
أن يكون مولوداً على الأراضي اللبنانية. ويتم إثبات الولادة عبر المستندات التالية وذلك على سبيل المثال لا الحصر: وثيقة ولادة أو إفادة طبيب أو إفادة قابلة قانونية.
أن يكون مقيماً على الأراضي اللبنانية. ويتم إثبات الإقامة على الأراضي اللبنانية بواسطة المستندات التالية وذلك على سبيل المثال لا الحصر:
إفادات سكن وتعريف من البلديات أو المخاتير حيث عاش وترعرع مع أهله.
إفادات عمل من مؤسسة أو مؤسسات أو من أشخاص سبق وعمل لديهم مع تحديد المدة.
إفادات خطية ورسمية من المدارس التي سبق أن درس فيها.
إفادات طبية من مستشفيات أو مستوصفات سبق وعولج فيها أو نقل إليها.
صور عن مستندات رسمية حكومية قديمة متعلقة به (محاضر ضبط، إجازة سوق، أحكام قضائية...).
إيصالات أو إفادات من مصالح الكهرباء والمياه والهاتف أو عقود إيجار منازل أو أراضٍ أو عقارات
صور عن مستندات رسمية ثبوتية لأفراد عائلته تثبت أصلهم وجنسيتهم.
أن يكون مولوداً من والد لا يحمل أي جنسية مع إبراز مستند يثبت رابطة الأبوة (إثبات نسب) أو أي مستند يربطه بأحد أصوله الذكورمن حاملي جنسية قيد الدرس.
تضبط إفادة صاحب العلاقة حول صحة ادعائه، ويصار إلى إفهامه التبعات القانونية المترتبة عن عدم صحة هذا الادعاء. كما تضبط إفادة شاهدين على الأقل يكونان في العقد الرابع وما فوق من عمرهما للتعريف عن صاحب العلاقة وتأكيد صحة ادعائه، ويصار إلى إفهامهما التبعات القانونية المترتبة عن عدم صحة إفادتهما.
هناك ست وزارات شريكة مع لجنة معالجة مكتومي القيد هي: الشؤون الاجتماعية، الاعلام، الصحة، التربية، العدل والداخلية.
إعفاء دعاوى النفوس من الرسوم وإيجاد آلية تواصل للتنسيق بين وزارة الداخلية والمخاتير والمستشفيات والاطباء والقابلات القانونيات. وشددت على دور الخط الساخن وحملات التوعية في قضية مكتومي القيد.