مع كل انخفاض أو ارتفاع لسعر صرف الدولار يسارع كثيرون إلى… نواصي الشوارع! «مكاتب الصرافة» باتت أمام كل باب، وتلاحق الزبائن إلى بيوتهم وداخل سياراتهم. منذ سنتين، بدأت ظاهرة الصرّافين المتجوّلين بالظهور في كل المناطق، فمن هم هؤلاء الصرّافون؟ وما مدى قانونية مزاولة مهنة الصيرفة في الشوارع؟ وكيف يثق الزبائن بمن يزاولون هذه المهنة من دون رخصة؟.على كل مفترق، وعند كل زاوية، مجموعات من الشبان والكهول يلوّحون للسيارات المارّة برزم من الأوراق النقدية صارخين بكلمتين لا ثالثة لهما: «تشتري؟ تبيع؟».
الصرافة التي تحتاج إلى ترخيص وتحكمها أنظمة وقوانين، باتت في زمن الانهيار مهنة من لا مهنة له. «وظيفتي ما بتطعمي خبز» يقول طارق الذي كان يعمل «سيكيوريتي» في شركة خاصة. ويضيف: «معاشي ما بيتخطى مليون ومئتين ألف ليرة. اليوم بطلّع بين 400 و500 ألف ليرة يومياً وبشتغل سبعة أيام بالأسبوع. الأزمة صعبة كثير وبدك تعرف كيف تمشّي وتزبّط حالك».
تأرجح الدولار صعوداً وهبوطاً خلق «مهنة» لطالما عُرف أصحابها بالجلوس وراء واجهات زجاجية وقد عُلّقت خلفهم رخصة مزاولتها. كريم، البالغ من العمر 22 عاماً، صُرف من عمله في شركة «فاليه باركينغ» منذ أكثر من سنة. مذّاك، أمضى معظم وقته متسكعاً في الشوارع وبين المقاهي قبل أن «يهتدي» إلى الصرافة. يقول: «هيك هيك أنا بالشارع وهالشغلة فيها مصاري قلت لحالي ليش لا؟». عرض أحد أصدقائه عليه التجوّل في الشارع كـ«موظف» لدى أحد الصرافين لـ«لمّ» الدولارات. «في هذه الظروف الصعبة ليس عندي حل ثان. لعبة الدولار أفادتني وأمّنت لي وظيفة وراتباً جيداً». وعن كيفية تفادي الدوريات الأمنية التي تلاحق الصرّافين المتجوّلين، يقول: «عند مرور الدورية نتوارى قليلاً. لا خيار آخر أمامنا».
حدّد القانون مراكز مخصّصة لأعمال الصرافة بعد الحصول على ترخيص من مصرف لبنان. لذلك، فإن كل من يزاول مهنة الصيرفة في الشوارع يخالف قانون تنظيم مهنة الصرافة الرقم 347. ويُعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، وبغرامة حدّها الأقصى عشرة أمثال الحد الأدنى السنوي للأجر أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أقدم على مزاولة مهنة الصيرفة دون رخصة (المادة 20 من قانون رقم 347).
غالباً ما تغيب رقابة المؤسسات الإدارية والقضائية على الأعمال غير المرخصة، ومنها الصيرفة في الشوارع، لأنها قد تؤدي إلى تداول العملات المزوّرة المعاقب عليها بموجب المادة 444 من قانون العقوبات اللبناني، ووقوع كثيرين ضحية جريمة تزوير العملة المحلية أو الأجنبية، مع صعوبة التعرّف إلى مرتكب الجرم لعدم اتخاذه مكان عمل محدداً وثابتاً.
لا تقتصر تداعيات أعمال الصيرفة غير الشرعية على مخالفة قانون تنظيم مهنة الصيرفة أو على جريمة التزوير إذا وقعت فحسب، إذ إن مزاولة أعمال الصيرفة غير الشرعية قد تسبب إشكالات ومواجهات بين الصرافين في الشوارع (راجع مقال الأخبار: «فوضى صرّافي الشوارع مستمرة: محاولة قتل صراف في صور» و«صور تتفرّج على صراع القبضايات»).