على مدار عقود، طُمست قضايا العنف الأسري بحجة ضرورة تضحية النساء للحفاظ على استقرار الأسرة. في كتابها «بعيون النساء- شؤون اللبنانيات وقضاياهن» الذي صدر عام 2021، تعيد الباحثة والمستشارة في شؤون المرأة والجندر عزّة بيضون الخروج من دائرة الصمت إلى عام 1995. يومها «تحدّثت سيدات عربيات للمرة الأولى عن تعرضهن لأحد أشكال العنف، خلال جلسة الاستماع التي دعت إليها «المحكمة العربية» الصُّورية في بيروت ضمن ورشة عمل تحضيرية لمؤتمر المرأة العالمي الرابع. كانت هذه المحكمة العربية فاتحة للبوح الصريح والعلني بعد سنوات طويلة من الصمت، انطلقت مع تشكيل منظمات نسوية غير حكومية استقبلت النساء المعنّفات، استمعت إلى روايتهن، وقدّمت دعماً لوجستياً لهنّ». وتتابع: «منذ ذلك الحين بدأت أسلاك المحرّمات الاجتماعية تتفلّت شيئاً فشيئاً. فارتفع عدد النساء الرافضات للعنف، كما ارتفع مستوى الوعي حول الحاجة إلى كسر جدار الصمت الملتفّ حول الجرائم المرتكبة داخل حرمات المنازل».
ولادة قانون مشوّه
تطوّر إذاً خطاب نسوي لمناهضة العنف ضد النساء، متجاوزاً أشكال العنف الجسدي إلى أنماط أخرى معنوية ونفسية وجنسية واقتصادية وقانونية. كان لا بدّ لهذا الخطاب أن يُخرج قضايا العنف الأسري إلى الحيّز العام، من خلال إقرار قانون يجرّم هذه الممارسات ويوفر الحماية للنساء. فوُلد قانون «حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري» الرقم 293 في 7 أيار عام 2014.
نعمل على إقرار قانون العنف الشامل ضد المرأة وهو في وزارة العدل حالياً

لم تكن ولادته ميسّرة، بل استمرّ «المخاض» سبع سنوات من النضال، ليولد بعدها قانون مشوّه. «لم يقبل النواب أن يخصّص القانون للنساء فقط، ليأخذ في الاعتبار أن العنف الممارَس عليهن نتيجة سلطة مجتمعية تعطي الرجل الحق بضرب زوجته، وأصروا أن يشمل كلّ أفراد الأسرة. إلى ذلك، رفضوا طلبنا أن تصطحب الأم المعنَّفة أطفالها إذا غادرت المنزل ولم يكونوا في سن تعطيها الحضانة، كما رفضوا توفير قاض متخصّص ناظر في العنف الأسري أو مدّع عام أسري»، أما تجريم الاغتصاب الزوجي فرأوه معارضاً للدين كما تقول المحامية في منظمة «كفى عنف واستغلال» فاطمة الحاج.

تعديل القانون
لمعالجة هذه الثغرات، تقدّمت «كفى» بالتعاون مع وزارة العدل والهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية عام 2017 بمشروع تعديل القانون، وأُقرّ التعديل عام 2020. على إثره، تمكنت المرأة المعنّفة من اصطحاب أولادها إذا غادرت المنزل إذا كانوا في سن 13 وما دون، وكأنه رفع لسن الحضانة في هذه الحالة. كما أتاح تعديل المادة 18 من القانون تشديد عقوبة مخالفة قرار الحماية الصادر عن قاضي الأمور المستعجلة، فرفع الحدّ الأقصى للسجن من ثلاثة أشهر إلى السنة، وضاعف الغرامة المالية من ضعف الحد الأدنى للأجور إلى الضعفين.

ثغرات مستمرة
لكن لا تزال هناك ثغرات تشوب القانون مثل عدم تجريم الإكراه على الجماع، أو ما يسمى بالاغتصاب الزوجي، إذا لم يترافق مع ضرب أو تهديد. عدا أن الغرامة المالية المتمثلة بضعفي الحد الأدنى للأجور فقدت قيمتها مع انهيار قيمة العملة الوطنية. لماذا لا يُطرح تعديله ثانية؟ عن ذلك تجيب الحاج: «لا يزال تعديل القانون جديداً، ولم يُطبّق عملياً جرّاء الأحداث في البلاد». وتشير إلى «أننا نعمل منذ عام 2017 على إقرار قانون مناهضة العنف الشامل ضد المرأة، ليس فقط العنف الأسري، ويشمل التحرّش والاعتداء الجنسي والطرد من العمل والعنف الممارَس من المدراء في العمل... وصار مشروع القانون في وزارة العدل، بانتظار طرحه في المجلس النيابي».