نحتفل هذا العام بالعيد الخامس والسبعين للفدائي الياباني أحمد (كوزو أوكاموتو) ونستذكر رفيقيه الشهيدين باسم (تسويوشي أوكاديرا) وصلاح (ياسويوكي ياسودا) الذين نفذوا سوياً عملية مطار اللد في فلسطين المحتلة في 30 أيار 1972، رداً على استهداف العدو الإسرائيلي لمطار بيروت الدولي في 28 كانون الأول 1968، وتدمير 14 طائرة تابعة لشركة طيران الشرق الأوسط. كوزو أوكاموتو شخصية «القوس» في عامها الأول لأنه مدرسة في الوفاء لمبادئ العدل والانصاف.
وقد أتى من مسقط رأسه في أقاصي الشرق ليضحّي بكل شيء من أجل قضية حق، وليناصر شعبنا في نضاله في وجه الاحتلال والقتل والتهجير والتدمير الإسرائيلي لفلسطين ولبنان. تعرّض كوزو لأبشع أشكال التعذيب والإذلال والاعتداء على مدى 13 عاماً في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي، وخضع لضغوط جسدية ونفسية لا يمكن تحملها. لكنه صمد وصبر بفضل ثباته وإيمانه الراسخ بأحقّية القضية وصواب المسار. قضى ليالي وسنين طويلة وحده يتألّم من دون أن يتراجع خطوة إلى الوراء. إلى أن جاء اليوم الذي تمكن فيه رفاق السلاح في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة من تحريره بصفقة تبادل أسرى.
الألم الذي يبدو جلياً في عيونه وجسده النحيل في تلك الصورة التي التقطت في ليبيا ساعات قليلة بعد تحريره، محمولاً على أكتاف أخوته، يدل إلى تضحيات لا تقدّر بثمن. فالشاب العشريني الذي كان يدرس علم النبات في اليابان، كان بإمكانه أن يعيش حياة الرفاهية والفرح في بلده الغني حيث تتوفر الراحة والاستقرار والكماليات، لكنه اختار ترك كل شيء وحمل السلاح والقنابل والتحق بطلائع مقاومة الاحتلال الإسرائيلي واعتداءاته المتكررة والمستمرة. كان يمكن أن يتمتع كوزو اليوم وقد بلغ العقد الثامن من العمر برفاهية سنوات التقاعد في منطقة جبلية جميلة في بلده مثلاً مع أسرته وأصدقائه. لكنه اختار منذ 54 سنة أن يكون في طليعة المجاهدين ليضرب العدو الإسرائيلي في قلب فلسطين المحتلة.
لذلك ابتكر الإسرائيليون أساليب تعذيب لا مثيل لها لتدمير البنية الجسدية وتحطيم التماسك الداخلي النفسي للشاب الياباني. لكنه لم ينكسر بل زاده الألم تمسّكاً بالقضية، على عكس أسرى العدو الإسرائيلي الذين ينهارون منذ اللحظات الأولى للقبض عليهم. فالعقيد في سلاح المدفعية الإسرائيلي إلحنان تاننباوم الذي تمكّنت المقاومة من أسره عام 2000، لم يخضع لأي تعذيب (بل خضع لعلاج طبي أثناء أسره)، لكنه لم يصمد لحظة بعد احتجازه. وهو منذ تسليمه إلى أسياده في صفقة التبادل عام 2004، مذلّة وإهانة للجيش الإسرائيلي، بينما الرفيق كوزو أوكاموتو مكرّم معزّز في بيروت وعنوان للشرف والتضحية والوفاء.

* شكراً باليابانية