يصرخ أحد الشبان وسط ساحة ساسين: «حيٌّ هو ربّ الجنود ومبارك صخرتي»، فيردّد الجموع بصوت واحد: «آمين». لا فرق إن كانت المناسبة دينية كزياح الجمعة العظيمة، أو «اجتماعية» لـ«القضاء على المثلية»، أو سياسيةً إحياءً لذكرى «حرب المئة يوم»، أو احتفالية بانتهاء عهد رئيس الجمهورية ميشال عون، طالما أن من يعرّفون عن أنفسهم بأنهم «جنود الرّب» أوكلوا لأنفسهم «باسم يسوع المسيح الناصري» طرد الشيطان من «أرض الرب»، الأشرفية، سواء تمثّل في هيئة «مثليين» أو في كل ما يخالف «تعاليم الربّ»... كميشال عون مثلاً!منذ ثلاث سنوات ينزل «الجنود» الى الشارع، بقمصان سود يتوسطها إنجيل مفتوح يعلوه صليب أحمر محفور على ترس ومحاط بجناحين تيمّناً بالملاك ميخائيل، رئيس «جند الرب» كما ورد في سفر يشوع. يجوبون شوارع الأشرفية حاملين صليباً كبيراً ومنشدين تراتيل دينية، ويتم رصدهم بشكل خاص أمام مصرف «سوسيتيه جنرال» في ساحة ساسين.

بدأت حكاية «جنود الرب» مع «رب» الـ«سوسيتيه جنرال» أنطون الصحناوي ووالده نبيل الصحناوي اللذين قررا، غداة 17 تشرين الأول 2019 وسطو المصارف على أموال المودعين، تأسيس «حزب» من مرافقيهما الشخصيين وحرّاس مصرفهما وموظفين لديهما. وقد وجدا في مجموعة «جنود الرب» التي أسّسها أحد موظفي المصرف، جوزيف منصور، بعد خروجه من السجن إثر اعتدائه على أستاذ مدرسة، فرصة لجمع شبان تابعين لهما يُعرفون بصيتهم السيئ وسلوكهم العنيف (كإطلاق النار في ملهى ليلي وطعن بسبب خلاف على أفضلية مرور وإصابة فتاة في مطعم بالرصاص). المجموعة التي بدأت بما لا يتجاوز الـ 20 شاباً، وتوسّعت بعد الانهيار الاقتصادي لتضم اليوم ما لا يقل عن 300 شاب، يشغّلهم الصحناوي مرة حراساً للكنائس، وأخرى في تنظيم الطوابير أمام محطات البنزين في أوقات الأزمة، وثالثة إبان الانتخابات في ماكينة النائب جان طالوزيان، ودائماً في حماية «عرين السوسيتيه» في الأشرفية. أما أوقات الفراغ، فيقضيها هؤلاء في ناد رياضي أنشأه لهم نبيل الصحناوي، علماً أن غالبيتهم تتمتع ببنية جسدية ضخمة وعضلات مفتولة يتعمّدون استعراضها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، كما ينشر بعضهم صورهم مع صلبان مشطوبة أو على خلفية صور لسمير جعجع.

يؤكد أكثر من ناشط ضمن المجموعة أن «قسماً كبيراً من الشباب بات منخرطاً في المسار الديني الى حدّ بعيد. وهم يقضون يومهم في قراءة الإنجيل ويتشاركون عبر مجموعة واتساب آيات من الإنجيل لتطبيقها في حياتهم اليومية».
ويؤكد «قائد» مجموعة «جنود الرب» جوزيف منصور لـ«الأخبار» أن «لا علاقة لنا بالأمن ولا بالحراسة ولا بأيّ من الأعمال» التي تنسب إليهم. ويصف أعضاء المجموعة بأنهم «جنود صالحون يستمعون فقط إلى كلمة الروح القدس والقيادة السماوية، ويخرجون فقط بناءً على كلمة الرب، ولحراسة الكتاب المقدس. والأهم أننا لا نشهد إلا للرب». لذلك، كان «لا بدّ من منع الشيطان من التسلل الى الأشرفية عن طريق الوقوف في وجه التسويق للمثلية». وعن علاقة «الجنود» بالقوات اللبنانية، يؤكد أن «الشباب من كل الانتماءات، ولا يمكن مراقبة ماذا ينشرون على وسائل التواصل». أما الربط بينهم وبين الصحناوي فهو «ربط ساذج. هؤلاء موظفون كما كل الموظفين الآخرين في الشركات أو المحال التجارية أو غيرها، والارتباط الوحيد لهم هو بموضوع سماوي لا يفهمه أحد إلا الروح القدس».

لكن مصادر في الأشرفية تؤكد أن «خلف الحملان ذئاباً تنقضّ على كل من يخالفهم أو يرونه تهديداً لمصالح المصرف»، كما حدث قبل أسبوعين عندما انهال «الجنود» بالضرب على شاب كان يؤشّر لصديقه على مصرف الـ«سوسيتيه». ورغم تقدّم الشاب بشكوى، لُفلفت القضية كما لُفلفت قبلها قضايا أخرى. ويؤكد أحد نواب المنطقة أن من الواضح أن هؤلاء يحظون بـ«غطاء من الأجهزة الأمنية والمخافر والقضاة عبر إفلات المرتكبين منهم من العقاب دائماً، والأهم عدم التعرض لهم الى درجة تجاهل وجودهم من أساسه». ويلفت إلى أن الصحناوي «ليس مجرد مصرفي، بل هو في صلب المعادلة السياسية، ويتدخل في تركيب اللوائح، ويفرض نواباً ويدعم بالمال والنفوذ نواباً آخرين ووسائل إعلام. وبغض النظر عما إذا كانت هذه المجموعة من صنعه أو أنه يستغلها ويمسك بها عبر التوظيفات، فإن مثل هذه المظاهر غالباً ما تقود الى مشكلات أكبر.

إذ إن التطرف في أي مسألة سيضع مجموعة في وجه أخرى». ويؤكد نائب آخر أن أبناء الأشرفية، بعكس ما يحاول البعض تعميمه، «منزعجون جداً مما يحصل. فالمنطقة لا تريد مطاوعين ولا ميليشيويين جدداً بعيداً عما إذا كان الصحناوي الأب يحنّ الى مرحلة سابقة عندما كان يرعى مجموعة مقاتلين. وأهل الأشرفية لا يؤيدون الأمن الذاتي ولا المربعات الأمنية والدينية ولا السلوك المتطرف والعنيف، لكنهم يصمتون خوفاً أو لعدم جرّ المشكلات الى منازلهم». وهو صمت «مفهوم» في ظل الصمت الذي تلتزمه مجموعات ونواب يطالبون ليل نهار بردّ أموال المودعين ويصيبهم الخرس عندما يتعلق الأمر بآل الصحناوي وبصاحب المصرف الذي ينفق أموال المودعين على أمنه الشخصي وعلى تعزيز نفوذه.