يتربّع فضلو خوري على عرش مملكته الرأس بيروتية منذ عام 2015، وأقلّ ما يمكن أن يُقال عن عهده، إنه صارم. الرجل، الذي كان صبياً يُتنمَّر عليه في يومٍ من الأيام، بات المتنمِّر الأول في كبرى جامعات المشرق العربي. (اعتراف شخصي: كاتب هذا المقال يطمح لتأميم وكر الجواسيس المسمّى صرحاً تعليمياً، لكنه سوف يضع هذا الطموح جانباً لغرض هذا المقال، كون هذا المكان يحظى باحترام وتقدير فئة كبيرة من الشعب اللبناني، ومنهم زملاء في جريدتنا «الراديكالية»، الذين يعتبرون أن ما وراء سور شارع بلِس شيءٌ جميلٌ يجب الحفاظ عليه). لن نتطرّق إلى سمات الرجل الشخصية، رغم أنها سافرة وفاضحة، أو لأي تشخيص مرضي نفسي كوننا غير مؤهّلين لذلك، ولكن لا بدّ من التوقف عند الحالة النفسية للذين يحيطون به ويتعاملون معه يومياً في إدارة الجامعة الرائدة في العالم العربي، قبل أن ينزع «الكينغ» فضلو العربية عن «لوغو» الجامعة الأميركية في بيروت.
للملك ثأرٌ مع «الأخبار»، طالما ظننّا أنه متعلّق بفضح الصحيفة للقليل من الفضائح التي تورّط بها رئيس أهمّ جامعات بيروت، من كارثة المشفى الجامعي إلى تسليم بريد الجامعة الإلكتروني إلى أسياده، وصولاً إلى الصرف التعسّفي الذي طال ما يقرب من ألف موظف في خضمّ أزمة صحية إنسانية كونية. لكن تبيّن بعد البحث أنّ حقده ينبت من مقابلة أجرتها الجريدة معه، لم تظهره بالمظهر الذي يظن فضلو أنه يليق به. نوبات غضبه تجاه «الأخبار»، ومن يتحدّث معها من مقرّبيه، موثّقة بشهود كثر، لكن ما يخفيه الغضب هو الخوف من فضيحته على أنه «تفنيصة». ولمحاسن الصدف، يُصادف اليوم ذكرى مؤسّسي الجامعة وهو يوم غالباً ما يجمع إداريّي الجامعة بأمنائها لمناقشة آخر التطورات «الأكاديمية» والمالية.
طبعاً أمناء الجامعة ليسوا بأفضل ممّن اختاروه أميناً أكبر على درّتهم، لكنه يبدي حرصاً أكثر من الذين ائتمنوه على مصالحهم. إذ يروي أحد الحضور في اجتماع مجلس أمناء الجامعة، إبّان الأزمة، أنّ فضلو هو من روّج لفكرة أن على التلاميذ أن يدفعوا ثمن الانهيار، في الوقت الذي كان فيه أثرياء المجلس يخجلون من طرح ذلك كونهم يجلسون على ثروات مليارديرية. لكن المشكلة الأكبر ليست في التملّق للأمناء الأثرياء، أو من تبقّى منهم، كونه حتى في ممارسة الشحاذة يفشل و«زلمه» (وهذا موضوع آخر)، بل في ثقافة الـ«Yes Men»، أو «اللحّيسة» بالمشبرح، التي أحاط الرجل نفسه بها، وهو الذي يدّعي أنه يتدرّج من مدارس الآداب الحرّة والفكر الحرّ، والتي يطمح أن تُزهر ثورة في بيضة اللعازرية. فضلو خوري يُرعب من يعمل معه، ولا أحد يجرؤ على مساءلته تفادياً لتداعيات ذلك. (اعتراف شخصي آخر: ذلك يسعدني إذ يسرّع في زوال وكر الجواسيس). لكن لمن يهمّه أمر الجامعة الأميركية وإرثها، وجورج حبش وبلوط «مُمَسْمِر»، الشخص المؤتمن على هذا الإرث يدمّره بسرعة قياسية.
بالعودة إلى انبهار الزملاء في الجريدة بالجامعة الأميركية… هنا الموضوع الأهم. في نقاش موجز، هناك فكرة عامة أن جامعة فضلو هي السبيل للترقّي الطبقي. الترقي الطبقي في عالمنا بات أن يصبح الفرد «عزقة» أو «برغي» في الماكينة الرأسمالية المعولمة. هل أنتجت جامعة نخبة رأس بيروت أي شيء غير خَدَم في الشركات المعولمة في جزيرة العرب؟ أين إنتاج الفكر التحرّري والتقدّمي والتفوّقي؟ كيف لأمة أن تنهض في هكذا جو؟ طبعاً لم يكن الاتّكال يوماً على فقاعة رأس بيروت التي أنتجت عملاء أكثر مما أنتجت ثواراً، لكن في ذكرى مؤسّسي الجامعة الأهمّ في ربوعنا، ألا يجب مساءلة رئيسها عن فشلها في إنتاج الحد الأدنى من «الجَومعة»؟