بين رجل يقتل زوجته، وأمّ تتشارك وأبناءَها في قتل الأب، تتعدّد الأسباب التي تقف وراء الجرائم الزوجية. قد تكون الأوضاع المعيشية الصعبة وضغوط الحياة من أبرز أسباب الخلافات الأسرية، التي يمكن أن تُترجم عنفاً جسدياً أو عملاً جنائياً، إضافة إلى دوافع أخرى كالخيانة الزوجية وجرائم الشرف.تزداد التحقيقات صعوبة عندما يصبح المنزل الزوجي بيئة خصبة لارتكاب الجرائم، ولا سيّما مع الحق القانوني لأفراد العائلة بحماية مرتكب الجريمة، والطبيعة الحساسة للعلاقة بين الضحية والجاني، وتدخّل «كبار العيلة» لحل الموضوع تجنباً للفضائح. ناهيك عن وجود وقت كافٍ أمام المرتكب لتنظيف مسرح الجريمة وفبركة الأدلة مقارنة بالجرائم الأخرى. في معظم هذه الجرائم، غالباً ما يميل المحققون إلى تصديق فرضية «الانتحار» وإثباتها. من هنا، يلعب «الدليل المادي» الدور الأهم لكشف ملابسات هذا النوع من الجرائم، لمنع إفلات المجرم الحقيقي من العقاب.


الجثة على السرير. سريعاً، نظّفت الزوجة السلاح ووضعته إلى يمين زوجها. غسلت يديها، بدّلت ملابسها واتصلت بالصليب الأحمر زاعمة أن زوجها أقدم على الانتحار. لم يتم التعامل مع مسرح الجريمة بشكل مهني، أُهملت العديد من الأدلة، ولم يُكشف على جميع الغرف. ورغم تناقض إفاداتها في وقت لاحق، بعد مرور وقت طويل على الجريمة، لم تعد لدى المحققين أدلة مادية يركنون إليها في تحليلهم الجنائي.

المسح الدقيق والشامل
يُعتبر المسح المتقن والدقيق من أهم الخطوات التي يفترض أن يقوم بها عناصر مكتب الحوادث خلال الكشف الحسّي على مسرح الجريمة. ومن الضروري أن يشمل المسح كل غرف المنزل الزوجي بما في ذلك الحمامات والمتخّتات والمساحات الخارجية، كالحديقة والكاراج وغيرهما.
كذلك يفترض أن يتضمّن المسح كشفاً تقنياً باستعمال الإضاءة الجنائية المناسبة (فوق البنفسجية / البيضاء الموجهة) وغيرها من المواد الكيميائية (لومينول) للتحري عن آثار بقع دماء جرى تنظيفها، بما في ذلك الجدران والأسقف والتأكد من استخدام أي معالجات فيزيائية (حفّ الطلاء مثلاً) لإخفاء الأدلة.
للكشف الدقيق والشامل على مسرح الجريمة في الجرائم الزوجية أهمية خاصة، بسبب الوقت الكافي المتاح للمرتكب لتنظيف مسرح الجريمة أو حتى فبركته على شكل جريمة انتحار


من خلال المسح الدقيق يمكن العثور على أدوات الجريمة كالسكاكين مثلاً (في جرائم الطعن) في أماكن مُخفاة كالمتخّتات أو النفايات. كما يمكن العثور على تلك الأدوات نظيفة في أماكنها المعتادة. في الحالتين، العثور عليها أساسي لمقارنتها مع الطعنات على الجثة.
وللكشف الدقيق والشامل على مسرح الجريمة في الجرائم الزوجية أهمية خاصة، بسبب الوقت الكافي المتاح للمرتكب لتنظيف مسرح الجريمة أو حتى فبركته على شكل جريمة انتحار.

تحليل السموم
يلعب التحليل الكيميائي الجنائي Forensic Toxicology لعيّنة الدم التي تُسحب من الجثة دوراً مهماً خلال التحقيقات لتحديد ما إن كان الجاني قد أقدم على تنويم الضحية قبل تنفيذ الجريمة. وهذا ما يحدث عادة في الجرائم الزوجية، إذ تقوم الزوجة بتنويم زوجها لتتمكن منه جسدياً. كما قد تساعد محتويات المعدة أثناء تشريح الجثة على تحديد ما إن تم تسميم الضحية قبل الجريمة.

البحث عن الأدلة الأثر
لا تتمتع الأدلة الأثر (الشعر والألياف وغيرهما) تحت أظْفار المشتبه به في الجرائم الزوجية بالأهمية نفسها مقارنة بالجرائم الأخرى. لكن، في بعض الأحيان، قد تحمل معلومات مهمة جداً. فقد يكون من الطبيعي أن نجد شعر/الحمض النووي التابع للزوج تحت أظْفار زوجته (والعكس)، إلا أن وجود نوع معيّن من التربة تحت أظفار المشتبه به يتشابه مع التربة حيث وجدت الضحية له قيمة دلالية عالية.

الابتعاد عن الأحكام المسبقة
في معظم الجرائم العائلية، يصوّر الجاني جريمة القتل على أنها انتحار. وهذا ما نراه أيضاً في جرائم الشرف، فتجتمع العائلة بأكملها إلى جانب المرتكب منعاً للفضيحة. يؤثر ذلك في مسار التحقيقات، ويقتنع المحققون بفرضية الانتحار حتى قبل انتهاء نتائج المباحث العلمية. وما يزيد الطين بلّة تقارير معظم الأطباء الشرعيين، التي غالباً ما تحسم أن الضحية أقدمت على الانتحار. يبني الطبيب قناعته من خلال النظر إلى جرح دخول الطلق الناري فقط، من دون انتظار نتائج مسار الطلق ومحاكاة مسرح الجريمة. هذه العوامل وغيرها تؤثر سلباً في سير التحقيقات، فيبحث المحقق عن الأدلة التي تثبت فرضيته المفضلة، بغضّ النظر عن الحقيقة العلمية. ومع غياب الكفاءة والشغف، وتدهور قيمة الرواتب والأجور، يبدو أن فرضية «الانتحار» باتت الأسهل والأنسب للمحقق والجاني. فيقع على عائلة الضحية عبء إثبات «الظلم الذي أودى بحياة الضحية».

الدوافع
تشمل الدوافع التي يبلّغ عنها الرجال عادةً التملّك والغيرة والخوف من الهجران والخيانة الزوجية. أما الدوافع التي عادة ما تبلّغ بها النساء فتتعلق بفترات طويلة من المعاناة من العنف الجسدي. مع الأخذ في الاعتبار الأسباب الأخرى كالاضطرابات النفسية.



هل يمكن أن يكون إخفاء مرتكب الجناية قانونياً؟
في بعض الجرائم العائلية، قد يتفق أفراد الأسرة على التخلص من الأب، فيما تنفّذ الأم الجريمة (أو العكس)، أو ربما يكونون شهوداً فقط على ما حدث، إلا أنهم يتمتعون قانونياً بالحق في إخفاء مرتكب الجريمة ومساعدته على الفرار، إذ تنصّ المادة 222 من قانون العقوبات -في المتدخّلين والمخبئين: «من أقدم في ما خلا الحالات المنصوص عليها في الفقرتين الخامسة والسادسة من المادة 219 على إخفاء شخص يعرف أنه اقترف جناية، أو ساعده على التواري عن وجه العدالة، عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين. يعفى من العقوبة أصول الجناة المخبئين أو فروعهم أو أزواجهم أو زوجاتهم حتى الطالقات، أو أشقاؤهم أو شقيقاتهم أو أصهارهم من الدرجات نفسها». كما تنصّ المادة 410 -في شهادة الزور: «الشاهد الذي يتعرض حتماً إذا قال الحقيقة لخطر جسيم له مساس بالحرية أو الشرف أو يعرّض له زوجه ولو طالقاً أو أحد أصوله أو فروعه أو إخوته أو أخواته أو أصهاره من الدرجات نفسها».