أحد المبادئ الأساسية التي يمكن أن يستند إليها مناهضو «الدولة البوليسية»، هو مبدأ قرينة البراءة. فلا يجوز بموجبه منح الشرطة والعسكر والنيابة العامة والمحقق العدلي صلاحية التجريم والإدانة. إذ إن كل شخص يعدّ بريئاً حتى تثبت إدانته أمام المحكمة أو أمام المجلس العدلي، وليس بحسب البوليس وادعاءات النيابات العامة أو اتهامات المحقق العدلي أو قاضي التحقيق. وبالتالي، لا بد من التذكير بأن جميع الموقوفين في السجون والنظارات، بما في ذلك المدعى عليهم والمتهمون، هم أبرياء حتى تنعقد المحكمة التي تضمن أن يمارسوا خلال جلساتها حقهم بالدفاع عن أنفسهم، وبالتشكيك في شرعية المحكمة وبمصداقية الدلائل التي يستند إليها الادعاء. صحيح أن من حق السلطة أن تحتجز حرية أشخاص مشتبه فيهم أو متهمين قبل محاكمتهم، شرط أن يتبيّن لها بوضوح بأن هؤلاء الأشخاص يشكلون خطراً على المجتمع وعلى سلامة التحقيق، وشرط ألا تتجاوز مدة الاحتجاز أشهراًَ قليلة. إذ إن القاعدة القانونية الدولية تقتضي إحالة الموقوفين في أسرع وقت ممكن إلى المحكمة.
لذا، لا بد من مراجعة ملفات آلاف الموقوفين في السجون والنظارات، وإطلاق سراح كل من لا يشكل خطراً على الآخرين فوراً، حفاظاً على قرينة البراءة وعدالة الإجراءات القضائية. فبعد إضراب المحامين الذي لحقه إضراب للقضاة والمساعدين القضائيين، وفي ظل الانقسام والصراعات بين القضاة وانتشار التوتر في قصور العدل، تباطأ عمل القضاة وتراجع عدد جلسات المحاكم. كما باتت عملية نقل الموقوفين من السجون إلى المحاكم صعبة بسبب الانهيار الاقتصادي. بموازاة ذلك، ارتفع عدد السجناء الذين باتوا يُحشرون بالآلاف في أماكن ضيّقة تعاني من اهتراء بنيتها التحتية ونقص في الصيانة. كما يختلط الموقوفون بالمحكومين بجرائم مختلفة، وقد تحولت السجون إلى أماكن لتعليم بعض الأساليب الجرمية ولتأليف العصابات وتجنيد المجرمين وتخطيط الجنايات. أضف إلى كل ذلك، الصعوبات التي تعاني منها قوى الأمن الداخلي في تأمين الغذاء والعلاج الطبي والمياه والكهرباء والتدفئة في السجون والنظارات.
وبما أن المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات استند إلى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لإخلاء سبيل الموقوفين في قضية انفجار مرفأ بيروت يوم 4 آب 2020، لا بد من التذكير بأن «الناس جميعاً سواء أمام القضاء»، كما جاء في نص المادة 14 منه.