أقفلت طريق ضهر البيدر مع وصول الفان القادم من الهرمل إليه. نظر الركاب من طلاب الجامعات بعضهم إلى البعض الآخر، وبدأوا بثّ مخاوفهم. تساوى لديهم القلق من عدم الوصول إلى الصف مع الحسرة على إمكان خسارة أجرة الطريق التي دفعوها ولن يستفيدوا منها. كيف سيعودون أدراجهم باكراً إلى المنزل، بعدما أنفقوا «بدل النقل» الذي خصّصه أهلهم له، ولم يصلوا إلى الجامعة؟«صرنا نخجل نقول لأهلنا بدنا نتعلّم». عبارة تختصر معاناة الكثير من الطلاب الجامعيين المقيمين في الهرمل، بعدما أصبحت بدلات النقل إلى جامعاتهم تفوق رواتب ذويهم. فأبناء هذه المنطقة النائية لم يعودوا يأبهون اليوم بتعبهم الجسدي، ولا بطول المسافة من أماكن إقامتهم إلى جامعاتهم، بل فقط يبحثون عن سبلٍ لإنقاذ عامهم الدراسي.
«كل يوم أذهب فيه إلى الجامعة، يكلّفني حضوري 600 ألف ليرة أجرة طريق». تقول هالة التي تدرس في مبنى الجامعة اللبنانية في الحدث، حاصرة حضورها بيومين أسبوعياً. أحياناً، تجد نفسها مضطرّة إلى دفع أجرة الطريق مرتين، فالحافلة التي تقلّها من بلدتها إلى بيروت لا تصل في الكثير من الأحيان إلى نقطة قريبة من الجامعة. أما الطلاب الذين تفرض عليهم اختصاصاتهم الحضور من 4 إلى 5 أيام في الأسبوع، فهم مجبرون على البقاء طوال هذه المدة بالقرب من جامعاتهم. فقد أصبح إيجار السكن يحتسب بالدولار الطازج، ويتراوح ما بين 50$ و100$ حسب موقعه. يضاف إليه تكاليف الخدمات التي يتكبدها الطالب من ماء وكهرباء وطعام وغيرها. لذلك قد يمّر شهر أو أكثر، دون أن يزور هؤلاء ذويهم، من أجل ادخار بدل النقل، أو لعدم توفره في الكثير من الأحيان.
أما من لا يستطيع تحمّل أعباء هذ الإقامة، أو حتى تكاليف النقل، فقد أجبر على التوقف عن الحضور. وهذا ما اختبرته ريتا، وهي طالبة في كلية العلوم الاقتصادية، الفرع الأول. تقول «أحاول متابعة دروسي من البيت، وخصوصاً أن السكن الطالبي في الحدث لم يفتح بعد».
الوضع ليس أفضل حتى بالنسبة إلى الذين يدرسون في جامعات بعلبك وزحلة، إذ يقول الطالب نواف الحاج حسن «نوفّر مصاريف الأكل بالجامعة لندفع أجار الطريق». إذ يحتاج الطالب الهرملاني، المسجّل في بعلبك، حيث أقرب فرع جامعي إليه، حوالي 240 ألف ليرة لبنانية بدل نقل، كل يوم. ويحتاج الطالب المسجّل في زحلة إلى حوالي 400 ألف. وهذه الكلفة مرتبطة بالارتفاع المطّرد لأسعار المحروقات وبتقلّبات سعر صرف الدولار. لذا قد تختلف في اليوم الواحد بحسب الطالب نواف الحاج حسن.
يقول عباس الجوهري، عضو في اتحاد بلديات الهرمل، إن «40% من طلاب الهرمل الذين كانوا يتردّدون إلى الجامعات في بعلبك وزحلة توقفوا عن الحضور هذا العام»، لافتاً إلى أن جزءاً منهم «توجّه إلى التعليم المهني لتوفّره في المنطقة».
لا يزال اتحاد البلديات في الهرمل، منذ منتصف عام 2021، غير قادر على دعم مشروع النقل الجامعي. ولكن مع بداية هذا العام الدراسي حضورياً، عملت «التعبئة التربوية» على تسيير 4 حافلات تقلّ طلاب الهرمل من جامعاتهم في بعلبك وزحلة وإليها، على أن يدفع كلٌ منهم 40% من تكلفة النقل اليومية. ولكن مع ذلك، هنالك حوالي 60 طالباً فقط يستفيدون من هذا النقل، بحسب الجوهري. فعلى حدّ تعبيره «الكثير من طلاب الهرمل لا يستطيعون أن يحضروا إلى جامعاتهم حتى في ظلّ هذه المبادرة».
وتبقى المشكلة الأبرز في أن حدود هذا المشروع تتوقف عند زحلة. فلا يجد الطالب الهرملاني في جامعات بيروت من يتحمّل عنه القليل من أعباء المواصلات، من دون أن يخلو الأمر من بعض المبادرات الفردية.