ترِد دوماً خلف كل مخالفة مالية في حسابات الدولة لجهة النفقات أو الواردات عبارة «خلافاً لرأي ديوان المحاسبة»، أو من دون موافقته. من هنا تبدأ حكاية الفساد. فديوان المحاسبة وُجد ليراقب صحة الإنفاق، وفي نظامه أنواع عدة من الرقابة، منها ما هو إداري مسبق أو مؤخّر، ومنها ما هو رقابة قضائية على الحسابات المالية العمومية أو رقابة قضائية على المسؤولين، باستثناء هرم الإدارة العامة (الوزير). فالوزير لا يطاله الديوان قانوناً، لكن يمكنه أن يشير إليه بسبابته فقط، وأن يبلّغ عنه الجهة التي تراقب الوزراء، أي مجلس النواب. أما الموظف التابع إدارياً للوزير، فيتوجب عليه، لإعفائه من العقوبة إذا خالف القانون بأمر من الوزير، أن يلفت نظر الوزير وأن يبلّغ الديوان مباشرة والمدعي العام لدى الديوان خلال أسبوع على الأكثر بالمطالعة الخطّية التي قدّمها إلى الوزير قبل تنفيذ الأمر. للدلالة على أهمية الديوان، يشير الأخير في أحد تقاريره إلى أن «الرقابة المسبقة تحول دون وقوع الهدر في الأموال العمومية ودون مخالفة القوانين، وهي رقابة وقائية»
(أنجل بوليغان ــ المكسيك)


ما هو ديوان المحاسبة؟
يُعرّف ديوان المحاسبة بأنه القضاء المالي، وهو الذي يراقب قانونية استعمال الأموال لجهة الإنفاق والعقود والتصرفات القانونية التي يجريها المسؤولون باسم الخزينة العامة ولحسابها، كما أنه الجهة المخوّلة بالفصل في صحة وقانونية المعاملات والحسابات المالية للأموال العمومية وأموال الخزينة بشكل عام. وإذا اكتشف وجود ارتكابات، فهو من يحاكم المسؤولين عنها بصفته القضاء المالي، كما يقدّم الرأي القانوني في المواضيع المالية للإدارات والمؤسسات العامة والبلديات وسائر الهيئات الخاضعة لرقابته.

هل تخضع كل المرافق العامة والجهات العمومية لرقابة ديوان المحاسبة؟
تخضع لرقابة ديوان المحاسبة إدارات الدولة وعدد محدود من البلديات (بيروت وطرابلس والميناء وبرج حمود وصيدا وزحلة - المعلقة، وسائر البلديات التي تخضع بمرسوم يتّخذ في مجلس الوزراء)، إضافة إلى المؤسسات العامة التابعة للدولة وتلك التابعة للبلديات الخاضعة لرقابة ديوان المحاسبة باستثناء عدد منها، وكذلك هيئات الرقابة التي تمثل الدولة في المؤسسات التي تشرف عليها، أو التي تضمن لها الدولة حداً أدنى من الأرباح، والمؤسسات والجمعيات وسائر الهيئات والشركات التي للدولة أو للبلديات أو للمؤسسات العامة التابعة للدولة أو للبلديات علاقة مالية بها عن طريق المساهمة أو المساعدة أو التسليف. كما تخضع لرقابة الديوان، المؤسسات والجمعيات وسائر الهيئات التي للدولة أو للبلديات علاقة مالية بها عن طريق المساهمة أو المساعدة أو التسليف كلما تجاوزت قيمة المساهمة أو المساعدة أو السلفة 25.000.000 ليرة خلال السنة. من جهة أخرى، هناك عدد من المؤسسات العامة التي لا تخضع لرقابة ديوان المحاسبة، مثل مصرف لبنان والمؤسسة الوطنية للضمان الإلزامي، فيما تخضع شركات الدولة كتلفزيون لبنان لرقابة ديوان المحاسبة المؤخّرة.

ماهيّة الرقابة التي يمارسها الديوان؟
يمارس الديوان الرقابة الإدارية والرقابة القضائية. تتمثّل الأولى برقابته المسبقة على تنفيذ الموازنة أو بإبداء الرأي، أي قبل اتخاذ الإدارة للقرار. إذ تودع المعاملة مع المستندات العائدة لها لدى ديوان المحاسبة ليوافق عليها قبل التنفيذ، فتكون رقابة مسبقة. وقد تكون رقابة إدارية مؤخرة، إذ يدقق في قرارات سبق أن اتخذتها الإدارة ويضع بنتيجتها تقارير يبيّن فيها توافق هذه المعاملات مع القانون من عدمه. أما الرقابة القضائية فيمارسها برقابته على الحسابات وعلى كل من يتولى استعمال أو إدارة الأموال العمومية والأموال المودعة لدى الخزينة، فتكون الرقابة القضائية نوعين: رقابة على الحسابات ورقابة على الموظفين.

من هم الأشخاص الذين تشملهم رقابة الديوان بمعرض رقابته على الموظفين؟
يتولى الديوان الرقابة على الموظفين، وتشمل كل من يقوم بإدارة أو استعمال الأموال العمومية والأموال المودعة في الخزينة، وكل من يقوم بعمليات القبض والدفع لحساب الخزينة أو لمصلحتها أو يمسك حساباتها. وكذلك أعمال كل من يتدخل في إدارة الأموال. كما يشمل هذا التعريف كل شخص من غير الموظفين عهد إليه تولي هذه المهام، سواء كان ذلك بالتعيين أو بالانتخاب أو بالتعاقد، بمن فيهم أعضاء الهيئات التقريرية بمناسبة تولّيهم المهام المذكورة وكل شخص من غير الموظفين تولّى هذه المهام أو تدخّل أو ساهم فيها من دون صفة قانونية (المادة 59، قانون تنظيم ديوان المحاسبة).

كيف يحاكم الديوان الموظفين أمامه بصفته محكمة مالية؟
باعتبار الديوان محكمة تتألف هيئتها من رئيس ومستشارين اثنين، يمارس صلاحياته القضائية ويمكن للموظف توكيل محام والاطلاع على كامل الملف تأميناً لحقه بالدفاع. وينظر الديوان في المخالفة عفواً أو بناءً على طلب المدعي العام لديه، ويستجوب الموظف المنسوبة إليه المخالفة ويستمع إلى الشهود، وبإمكانه طلب تعيين الخبراء، أو تكليف المراقب إجراء تحقيق أو تدقيق يتعلق بالمعاملة المحالة عليه.
الرقابة المسبقة وقائية تحول دون وقوع الهدر في الأموال العمومية ودون مخالفة القوانين

 ويبلّغ الموظف بالإجراءات اللاحقة لحين صدور القرار النهائي الذي يتم تبليغه إلى الموظف المعني، وتبلّغ صورة عنه إلى المدعي العام، وإلى الوزارة أو الإدارة المختصة، وتُرسل صورة إلى وزارة المالية لتنفيذها وفقاً لقانون جباية الضرائب المباشرة. كما أجاز القانون للموظف الطعن في قرارات الديوان القضائية النهائية، إمّا عبر طلب إعادة النظر في القرار أمام الديوان، أو طلب نقض القرار أمام مجلس شورى الدولة.

ما هي العقوبات التي يمكن أن يحكم بها الديوان على الأشخاص بعد محاكمتهم أمامه؟
كل موظف ارتكب أو ساهم في ارتكاب إحدى المخالفات، يمكن للديوان أن يصدر قراراً بحقه يتضمّن إحدى هذه العقوبات:
• الغرامة من 150 ألف ليرة إلى مليون وخمسمئة ألف ليرة
• الإلزاميات المدنية والعقوبات الجزائية والمسلكية التي يمكن أن تقضي بها المحاكم الجزائية أو المراجع المختصة الأخرى
• غرامة إضافية تحسب بالنسبة إلى أهمية المخالفة المرتكبة وإلى مقدار الراتب غير الصافي الذي يتقاضاه الموظف المُخالف في حال تقاضيه راتباً، أو إلى مقدار مخصصاته أو ما يماثلها في الحالات الأخرى. ولا يمكن أن تقلّ هذه الغرامة الإضافية عن راتب الموظف الشهري أو عن مخصصاته الشهرية أو ما يعادلها بتاريخ ارتكاب المخالفة، ولا أن تزيد على مجموع راتبه السنوي أو مخصصاته السنوية ما يماثلها بالتاريخ المذكور.

هل يعاقَب الموظف المخالف بعقوبات ديوان المحاسبة فقط؟
الملاحقة أمام ديوان المحاسبة مستقلة عن الملاحقة الجزائية أمام القضاء العدلي المختص، فيلاحق الموظف على مخالفته المالية أمام الديوان، وعلى ارتكابه جرم الرشوة مثلاً أمام القضاء الجزائي.

ماذا يفعل الديوان إذا وجد أن مرتكب المخالفة وزير؟
لا يسمح قانون تنظيم ديوان المحاسبة ولا القانون اللبناني بملاحقة الوزير أمام ديوان المحاسبة، بل كل ما يمكن للديوان القيام به هو «أن يُحيط مجلس النواب علماً بالمخالفات المرتكبة من قِبل الوزراء» (المادة 64).

ما هي مخالفات الموظفين التي يلاحقها الديوان؟
يُعاقب (بموجب المادة 60، من قانون تنظيم ديوان المحاسبة) كل موظف:
1- عقد نفقة خلافاً لأحكام القانون أو النظام.
2- عقد نفقة من دون الحصول على تأشير مراقب عقد النفقات.
3- أهمل عرض إحدى المعاملات على رقابة الديوان المسبقة أو وضع موضع التنفيذ معاملة لم تعرض على هذه الرقابة أو وضع موضع التنفيذ معاملة من دون التقيد بالشروط الواردة في قرار الديوان بشأنها.
4- لم يتقيّد برفض التأشير على المعاملة من قِبل ديوان المحاسبة أو من قِبل مراقب عقد النفقات.
5- أساء قيد إحدى النفقات لستر تجاوز في الاعتمادات.
6- نفّذ أمراً مخالفاً للقانون ورده عن غير طريق رئيسه التسلسلي.
7- أكسب أو حاول أن يُكسب الأشخاص الذين يتعاقدون مع الإدارة ربحاً غير مشروع.
8- ارتكب خطأ أو تقصيراً أو إهمالاً من شأنه إيقاع ضرر مادي بالأموال العمومية أو بالأموال المودعة في الخزينة.
9- تأخر عن إيداع ديوان المحاسبة أو النيابة العامة لديه الحسابات والمستندات والإيضاحات المطلوبة ضمن المهل المحددة في القوانين والأنظمة.
10- خالف النصوص المتعلقة بإدارة أو استعمال الأموال العمومية أو الأموال المودعة في الخزينة.




قسم «الموظف الشريف الصادق»
يؤدّي الموظفون الخاضعون لحلف اليمين أمام ديوان المحاسبة اليمين التالي نصّها: «أقسم بالله العظيم أن أؤدي واجب الوظيفة بأمانة وإخلاص وأن أحافظ أبداً على سرها». كما يحلف المراقبون ومدققو الحسابات أمام مجلس ديوان المحاسبة، قبل مباشرتهم العمل، اليمين الآتية: «أقسم بالله العظيم أن أقوم بمهام وظيفتي بصدق وأمانة وأتصرف تصرّف الموظف الشريف الصادق، وأحفظ سر المهنة».