أدّت سلسلة الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها لبنان إلى تفاقم التحديات والمشكلات التي يواجهها نظام السجون «المجهد» أساساً. كما قوّض الاكتظاظ قدرة إدارة السجون على تلبية الاحتياجات الأساسية للسجناء من حيث الغذاء والماء والنظافة والأمن، فانخفضت كمية المواد الغذائية التي توزعها إدارة السجون، كما أدى التضخم إلى تآكل الإمكانات المالية للنزلاء. تفشل السجون في تلبية الاحتياجات الأساسية للسجناء من حيث خدمات الرعاية الصحية وتوفير منتجات التنظيف. البنية التحتية مهترئة، وآليات سوق المساجين وسيارات الإسعاف بحاجة إلى صيانة. كما تتضاعف معاناة المساجين ذوي الاحتياجات الإضافية. يستعرض هذا المقال الاحتياجات الأساسية للسجناء توازيًا مع برامج الإصلاح وإعادة التأهيل وفقًا لاحتياجاتهم، والتي تعزز كفاءتهم الذاتية ومؤهلاتهم وقابليتهم للتوظيف عند إطلاق سراحهم، ولا سيّما أن المعايير الدولية لمعاملة السجناء تنصّ على أن السجن لا ينبغي أن يقتصر على الحرمان من الحرية، بل يشمل مفهوم الإصلاح وإعادة التأهيل للسجناء، حتى يمكن إعادة دمجهم في المجتمع بسهولة أكبر

يُعدّ اكتظاظ السجون أحد العوامل الرئيسة التي تسهم في ظروف الاحتجاز اللا إنسانية في لبنان. المستوى المرتفع للاحتجاز السابق للمحاكمة -والذي يمكن أن يكون غير محدّد في بعض الحالات- والافتقار إلى تدابير بديلة، يُعدّان من الأسباب الرئيسة لنموّ معدلات السجن. كما أن الاكتظاظ يضعف فعالية برامج إعادة التأهيل والتدريب المهني والأنشطة الثقافية. إلى جانب ذلك، غالبًا ما تعاني أنظمة السجون من حواجز تنظيمية، بما في ذلك موظفو السجون غير المتخصصين ممن يتقاضون رواتب منخفضة، والمستوى العالي من الفساد، والتشريعات التي عفا عليها الزمن (المرسوم 14310 لعام 1949). كما تواجه أنظمة السجون حواجز «العدالة الجنائية» بما في ذلك التدخل السياسي في القضاء، فيتدخّل القادة السياسيون والطائفيون في الفصل في القضايا التي تمسّ «المصلحة العامة»، إضافة إلى عزل القضاة وتعيينهم.
أجرت المنظمة غير الحكومية «أركس ARCS»، دراسة علمية لتحديد الحاجات الأساسية لسجون رومية والقبة وبربر الخازن، فيما يلي أبرز النتائج:



بيئة غير صحية تزيد الأمراض
تُعدّ البيئة المعيشية غير الصحية في سجنَي رومية وطرابلس (للرجال) من الأسباب الرئيسة لأمراض الجهاز التنفسي والالتهابات الجلدية التي تصيب السجناء. تشمل ظروف الاحتجاز السيئة: الاكتظاظ الشديد (كل زنزانة تضم أكثر من 13 نزيلًا، بينما تضم المهاجع الكبيرة أكثر من 100 سجين)، والرطوبة العالية، ونقص أنظمة التدفئة أو التبريد، والافتقار إلى النظافة وأشعة الشمس. كلا السجنين، يفتقران إلى الأسرّة والوسائد، أما الملاءات، في حال توفرها، فلا تُغسل بانتظام، ما يتسبب بانتشار الحشرات والأمراض الجلدية.
من ناحية أخرى، يبدو أن ظروف الاحتجاز في سجنَي بربر الخازن وقسم النساء في طرابلس أفضل. إذ تتم صيانة جميع أقسام السجن بشكل مستمر ويُحافَظ على نظافتها. وقد جُهّزت الزنازين بأسرّة/مراتب جديدة وتكييف ومراوح. أما الملابس التي يرتديها السجناء (في السجون الثلاثة) فهي غير كافية أو مناسبة.



نقص حاد في مستلزمات النظافة الأساسية
تواجه السجون الثلاثة نقصاً في مستلزمات النظافة الأساسية والمنظفات ومواد التنظيف. وبسبب نقص التمويل وزيادة أسعار السلع، لم تعد سلطات السجون قادرة حتى على توفير الصابون. وغالباً ما تشتكي السجينات (في سجنَي بربر الخازن وطرابلس) من نقص منتجات النظافة الأساسية مثل الفوط الصحية. وتحاول المنظمات غير الحكومية توفير منتجات النظافة والتنظيف، لكنها غير قادرة على تلبية كل احتياجات السجناء. وفي سجنَي رومية وطرابلس، تجهيزات الاستحمام غير كافية، والسجناء غير قادرين على تلبية احتياجات الطبيعة عند الضرورة بشكل نظيف ولائق. ويشمل ذلك الحمامات المتّسخة والصغيرة وقلة المراحيض.

الغذاء ومياه الشرب
يفتقر السجنان إلى الموارد اللازمة لإجراء إصلاحات لمياه الشرب. فالمياه النظيفة الصالحة للشرب غير متوفرة للسجناء، ويزداد الأمر سوءاً لأن السجناء لا يملكون الأموال الكافية لشراء المياه النظيفة من الحانوت. لذا من الضروري صيانة فلاتر خزانات المياه في سجن رومية. كما يُعدّ تنظيف خزانات المياه وتعقيمها في سجن طرابلس أمرًا بالغ الأهمية، ولا سيّما مع انتشار الكوليرا.
من ناحية أخرى، ترتبط نوعية الغذاء وكميته في السجون بشكل أساسي بالميزانية التي خصصتها الحكومة، والتي كانت لفترة طويلة غير كافية. ورغم أن على إدارة السجن تلبية المعايير الغذائية من حيث الجودة والكمية، إلا أن الطعام «مقيّد» نتيجة للأزمة الاقتصادية وارتفاع كلفة السلع. فقد خفّضت إدارة السجن كمية اللحوم (لحم ودجاج) التي تُقدّم أسبوعيًا. ووفقًا للجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، فإن وجبات الطعام في السجون تُقدّم باردة وغير مطهية بشكل كاف، ونادرًا ما تُقدّم منتجات الألبان والخضر. التفاح، هو الفاكهة الوحيدة التي تُقدّم في السجن، ويتقاسم كل سجينين تفاحة واحدة.

الرعاية الصحية إلى تراجع
تعيّن وزارة الداخلية والبلديات الأطباء المسؤولين عن رعاية السجون بعد استشارة وزارة الصحة. ومع ذلك، فإن الخدمة الطبية في السجون غير متوافقة مع المادتين 52 و53 من المرسوم الرقم 14310 لسنة 1949. وهناك نقص في الأطباء والممارسين العامين (المعالجين النفسيين والأطباء النفسيين وأطباء الأسنان) وأدوية السجناء. الزيارات الطبية قليلة، والخدمات الطبية لا تلبي احتياجات السجناء. علاوة على ذلك، تفتقر مرافق السجون إلى الرعاية المتخصصة لتلبية احتياجات السجناء ذوي الإعاقة.
في سجنَي رومية وطرابلس، تعاني صيدليات المراكز الطبية التابعة لقوى الأمن الداخلي من نقص في المعدات الطبية والأدوية الأساسية، بما في ذلك أدوية الأمراض المزمنة والأمراض الجلدية والالتهابات والتخدير ومشاكل المسالك البولية وغيرها. وبالتالي، هناك اعتماد على الأدوية التي تتبرع بها المنظمات غير الحكومية لتعويض هذا النقص.

سجن طرابلس للنساء (هيثم الموسوي)


قوانين تساهم في الاكتظاظ
نتيجة لبطء النظام القضائي وتعطّله، بالإضافة إلى القوانين التي تسمح بالحبس الاحتياطي إلى أجل غير مسمّى، فإن معظم المعتقلين لم يحاكموا بعد. من بين 6368 نزيلاً في سجون لبنان، ينتظر 5055 منهم محاكمتهم، فبلغت نسبة احتجاز قبل المحاكمة 79.4٪.
المحاكمات الجنائية، وخاصة في الجرائم الخطيرة، مطوّلة، ويحتجز المشتبه فيهم لفترة طويلة من الاعتقال السابق للمحاكمة. في بعض الحالات، يظل مئات الأشخاص، الذين انتهوا بالفعل من قضاء عقوباتهم، خلف القضبان لأنهم غير قادرين على دفع الغرامات المفروضة عليهم.
وفي حالات أخرى، لا يكون الاحتجاز السابق للمحاكمة قاسيًا فحسب، بل مخالفًا للقانون أيضًا. ووفقًا لطبيعة الجريمة، فإن الحد الأقصى لمدة الحبس الاحتياطي تحدده المادة 108 من قانون الإجراءات الجنائية. لا يمكن أن تتجاوز فترة الحبس الاحتياطي في جناية -الموصوفة قانونًا بأنها جريمة عقوبتها تراوح بين ثلاث سنوات والسجن المؤبد- ستة أشهر. أما المتهمون بجنح -جرائم تراوح عقوبتها بين عشرة أيام وثلاث سنوات- عليهم الانتظار شهرين فقط قبل محاكمتهم. إلا أنه يقضي المشتبه فيهم في القتل أكثر من ثلاث سنوات في انتظار المحاكمة. ويقضي المتهمون بجرائم تتعلق بالمخدرات أكثر من عام في الحبس الاحتياطي.
التحدّيات التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة في المجتمع تتضخّم أثناء الاحتجاز نظرًا إلى ظروف السجن السيئة، والاكتظاظ، والإهمال الطبي، والضغط النفسي


بالإضافة إلى ذلك، نادراً ما يطبّق قضاة التحقيق تدابير بديلة من الاحتجاز. في حين أن قانون الإجراءات الجنائية يتضمّن عددًا من بدائل السجن، ولا يمكن تطبيق القانون بشكل فعال وكامل حيث تفتقر أنظمة السجون إلى الوسائل التكنولوجية واللوجستية لتكييف أي إجراءات بديلة.
من ناحية أخرى، لا يمكن للمحتجزين، الذين لا يستطيعون تحمّل تكاليف محام، الحصول على مساعدة قانونية مجانية. فتُقدّم المساعدة القانونية فقط من قِبل المنظمات غير الحكومية ونقابات المحامين وتقتصر عادة على قضايا الجنايات. ومع ذلك، لا توجد رقابة قضائية أو غيرها على جودة المساعدة القانونية المقدّمة. ووفقًا للمنظمات غير الحكومية، فإن عدد النزلاء المؤهلين للحصول على المساعدة القانونية مرتفع للغاية. تُعين هذه المساعدة السجناء على تغطية التكاليف القانونية الآتية:
1. تعيين المحامين.
2. دفع الغرامات والكفالات.
3. طلب إخلاء السبيل.
4. طلب دمج العقوبات.

الافتقار إلى برامج إصلاح وإعادة التأهيل للسجناء
إن قلة الموارد وازدياد نسبة الاكتظاظ جعلا برامج إعادة التأهيل محدودة للغاية في معظم السجون. كذلك عدم توفّر الأموال والمعدات وأعضاء هيئة التدريس اللازمة لتمكين البرامج التعليمية والمهنية. كما لا تُبذل الجهود دائماً لتشجيع مشاركة النزلاء، ولا سيّما للأشخاص ذوي الإعاقة. وبالتالي، يعتمد المحتجزون بشكل أساسي على المنظمات غير الحكومية في الأنشطة المهنية والروحية. إذ تُنظّم هذه المنظمات، وتدير عدداً قليلاً من الأنشطة: الرياضة (اليوغا والمشي والجمباز) ودورات تكنولوجيا المعلومات والتدريب التعليمي/المهني، لكن تواتر هذه الأنشطة ونوعها والوصول إليها يختلف باختلاف السجون، وداخل السجن نفسه أحياناً.
ومع ذلك، أثناء التخطيط لإصلاح وإعادة تأهيل النزلاء، من المهم إجراء تقييم منتظم ومنهجي للسجناء وتقديم البرامج وفقًا لاحتياجاتهم وقدرتهم على الاستجابة للبرنامج. إلى جانب ذلك، من المهم تنفيذ برامج إعادة التأهيل التي تعزّز عمل السجناء وتدرّ الدخل من أجل زيادة كفاءتهم الذاتية ومؤهلاتهم وقابليتهم للتوظيف عند إطلاق سراحهم.

السجناء ذوو الإعاقة: تحديات إضافية
إن التحديات التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة في المجتمع تتضخم أثناء الاحتجاز. تعمل بيئة السجن على تسريع «الإعاقة» نظرًا إلى ظروف الاحتجاز السيئة، والاكتظاظ، والإهمال الطبي، والضغط النفسي.
معظم السجناء ذوي الإعاقات الجسدية والعقلية محتجزون في سجن رومية (لا تتوفر بيانات دقيقة)، وسجين واحد من ذوي الإعاقة الجسدية محتجز في سجن طرابلس. تعتمد احتياجات السجناء ذوي الإعاقة الجسدية على نوع إعاقتهم ، ولكن هناك بعض القضايا الرئيسة المشتركة بين الجميع. على سبيل المثال، قد يتعرض هؤلاء للتمييز المباشر في الوصول إلى العدالة، ما لم تُقدّم التّهم الموجهة إليهم بطريقة يسهل عليهم فهمها. كما أنهم أكثر عرضة لخطر الإساءة من قِبل موظفي السجن وغيرهم من السجناء. وبسبب الحواجز المعمارية، يواجه السجناء ذوو القدرة المحدودة على الحركة صعوبات في الوصول إلى خدمات السجون والمشاركة في الأنشطة والبرامج غير الملائمة لاحتياجاتهم الإضافية. كما يصعب عليهم الوصول إلى أماكن أخرى مثل المكتبة أو القاعات أو المرافق الطبية.

تفتقر أنظمة السجون إلى الوسائل التكنولوجية واللوجستية لتكييف أيّ إجراءات بديلة من الاحتجاز


ويُحرم السجناء ذوو الإعاقات البصرية من الحصول على الكتب وفرص التعلم، ما لم تتوفر الكتب المكتوبة بطريقة «برايل». وقد تزيد الفرص المحدودة لبرامج الدعم النفسي والاجتماعي الجماعي للسجناء الذين يعانون من إعاقة في السمع أو الكلام، بشكل كبير من مشاكل الصحة العقلية.
كما يعاني السجناء ذوو الإعاقات العقلية من مجموعة معقّدة من الاحتياجات المتعلقة بوصولهم إلى العدالة وظروف الاحتجاز. بسبب إعاقتهم العقلية، قد يعترفون بالتّهم المنسوبة إليهم زوراً ولا سيّما في حالة عدم وجود مساعدة قانونية.

موظفو السجن: موارد غير كافية ونقص في الخبرة
رغم قرارَي وزارة العدل لعامي 1964 و1983 بشأن نقل إدارة السجون إلى وزارة العدل، لا تزال السجون تحت سلطة وزارة الداخلية (المرسوم 14310). يتألف طاقم السجن من عناصر من قوى الأمن الداخلي، وهي قوة شرطة وطنية لم يتلقّ أعضاؤها تدريبًا محددًا للعمل كعاملين في السجن. تُوفّر بعض الدورات التدريبية من قِبل المنظمات غير الحكومية، ولكن تغيير مكان «خدمة العناصر» (داخل السجون وخارجها) يعني أن المهارات المكتسبة لم توضع موضع التنفيذ. وفي ما يتعلق بالمعدات، فإن معظم المركبات المستخدمة للنقل أو لنقل السجناء، وكذلك سيارات الإسعاف، لا تعمل. تفتقر السجون الثلاثة إلى أنظمة المراقبة الأمنية المناسبة مثل الماسحات الضوئية والكاميرات.
من ناحية أخرى، نادرًا ما يتلقّى الضباط والعناصر العاملون في السجون الثناء الذي يستحقّونه. إن إلقاء نظرة فاحصة على الوضع الحالي يظهر أنه، إضافة إلى ظروف مكان العمل، يواجه العاملون في السجون العديد من التحديات:
أ- الاكتظاظ
ب- زيادة التطرف والعنف
ج- رواتب منخفضة ورسوم نقل مرتفعة.
أضف إلى ذلك، يفترض أن يتمتّع «السجانون» بظروف عمل مناسبة لطبيعة عملهم الصعبة، بما في ذلك أجور أفضل، وظروف عمل لائقة ومناسبة، وتدريب متخصص.