يأتي شهر رمضان هذا العام على وقع تفلّت جنوني في سعر الدولار وارتفاع كبير في الأسعار، ما يزيد من معاناة اللبنانيين، ويقلّل من قدرة الناس على المساعدة والتبرّع لمساعدة الفقراء، وخصوصاً الذين ينتظرون شهر رمضان لهذه الغاية. يشعر كثيرون أن الأزمة حرمتهم استقبال الشهر الفضيل ببهجة واستبشار، ليغدو الهمّ الأساس منصباً على الأسعار والأحوال المتراجعة المقلقة. واقع يدفع إلى السؤال عن حجم تأثيره على الإفطارات وموائد الرحمن، ولا سيّما أن زينة شهر رمضان تبدو متواضعة بالنظر إلى ما كانت عليه في السابق.
دار الأيتام الإسلامية
شكّلت «دار الأيتام الإسلامية» منذ السبعينيات جزءاً من بهجة شهر رمضان وفرحته، ولا سيما بالزينة الشارعية والشعارات الرمضانية والأناشيد الخاصة بالمناسبة. هذا العام أخرجت الدار العريقة الزينة الرمضانية من المستودعات، وقامت بصيانتها اللازمة، ثم علّقتها في الروشة وبشارة الخوري وكورنيش المزرعة حصراً، «للإبقاء على الأجواء الرمضانية التي تميّز الشهر ولو في الحد الأدنى». فالميزانية محدودة، وهي مساهمات يرعاها الخيّرون، لذا لا مسابقات لاختيار أجمل تصميم رمضاني كما جرى في عام 2016 مثلاً. رغم ذلك، جالت المسيرات والمواكب السيّارة في شوارع العاصمة مرحّبة بقدوم الشهر، على وقع الأناشيد المحبّبة لبث التفاؤل والبهجة ولو بقدرات متواضعة وفي شوارع محدودة.
وقد اختارت الدار شعاراً لهذا العام هو «دار الخير داركم»، لتقول للخيّرين إن الدار موجودة لخدمة كل ذي حاجة، وقد باتوا كثراً. «رغم السنوات الصعبة التي أثقلتنا جميعاً، لا يزال الخيّرون يدعمون الدار ومجتمعهم» تقول مديرة العلاقات العامة في الدار رانيا زنتوت. وتشير إلى أن «الدار لن تتخلى عن دورها الذي قامت به حتى في ظروف الحرب الأهلية تجاه المجتمع وتجاه أبنائها الذين ترعاهم في 34 مركزاً على امتداد الوطن»، مؤكّدة أن «ثمة التزاماً من المجتمع تجاه أطفال دار الأيتام، إذ تردنا الكثير من الاتصالات لاستضافة الأطفال في المنازل، وثمة من يدعوهم إلى المطاعم، أو يأتي ليفطر معهم في المؤسسة متكفّلاً بالإفطار». يأتي هذا في إطار إفطارات الرعاية الأسرية التي تهدف إلى تعزيز الدمج المجتمعي للأيتام، كما يتم توزيع الهدايا على الأطفال. وأبقت الجمعية أيضاً على الإفطارات السنوية الكبيرة، واحد للنساء وآخر للرجال.

جمعية المبرّات الخيرية
«جمعية المبرّات الخيرية» هي إحدى المؤسسات الرعائية الكبيرة على مستوى لبنان، ولها نشاطاتها الخاصة في شهر رمضان بما يمثله من شهر للخير والإحسان. تستقبله بعروض ومسيرات في بيروت والضاحية وفي عدد من المناطق اللبنانية، حيث يوزّع الأطفال التمر والحلويات على المارّة على وقع كورال وكشافة المبرات. وتستقبل مبراتها (11 مبرة لرعاية اليتيم) من بنت جبيل إلى الهرمل التبرّعات والإفطارات الخاصة بالأيتام، وحتى المسنّين كما الحال في دار أمان في العباسية. كما يقوم أهل الخير بدعوة الأيتام إلى البيوت أو الإفطار في الخارج «وهذا ما لم يتوقف»، بحسب ما تؤكد مديرة دائرة الأنشطة المركزية في الجمعية رلى السيد. «ثمّة أشخاص لا نعرف عنهم شيئاً طوال السنة، لكنهم يحضرون في شهر رمضان ويتبرّعون لكلّ الأنشطة الخيرية». ما اختلف خلال الأزمة عما كان عليه الوضع في السابق، بحسب السيد، هو أن «العائلات الفقيرة والمتوسطة كانت تدعو الأيتام للإفطار سابقاً، أما اليوم فالدعوات تقتصر على الطبقات ما فوق المتوسطة والأسر ذات المدخول بالدولار، وصرنا نحن كجمعية نهتم بالعائلات الفقيرة». تعدّ الجمعية للإفطار السنوي «إفطار الأحبة» الذي تقيمه منذ 25 سنة، وتدعو إليه الأيتام من كلّ المؤسسات الرعائية في لبنان من مختلف الطوائف، ويرعى هذا الإفطار أحد الخيّرين كما يحضره أهل الخير.

مائدة الإمام زين العابدين
صارت مائدة الإمام زين العابدين إحدى أبرز التظاهرات المتعلقة بشهر رمضان. المائدة التي انطلقت نتيجة حادثة مؤلمة، بعدما وُجدت امرأة تجمع بقايا الطعام من أكوام النفايات عام 1998، سرعان ما نمت هذه الفكرة البسيطة لتصبح مائدة لدعم الفقراء في الأحياء، لتخدم 7400 عائلة عام 2019. أما اليوم، ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية، فقد باتت خدماتها تشمل نحو 50 ألف عائلة في نطاق بيروت وحدها.
لم تتوقف المبادرات لدعوة الأيتام والفقراء إلى موائد الإفطار


يقول الحاج حسن حمادة، المشرف على مائدة الإمام زين العابدين، إن «تكاتف الناس كبير رغم الوضع الصعب». مشيراً إلى أن «خدمات المائدة صارت تمتد على مدار العام، وباتت تشمل الرعاية الصحية». ولكن لشهر رمضان خصوصيته وللمائدة الرمضانية خصوصيتها، حيث تتضمن المساعدات التي تقدمها مائدة الإمام زين العابدين الوجبات الغذائية بما فيها اللحوم والخُضر والفواكه والحلويات، بالإضافة إلى حصص تموينية والمطبخ الرمضاني الذي يقدم الوجبات وفق المعايير الصحية «فلا يشعر الفقير بأنه مستثنى من الخير العميم في هذا الشهر». ويؤكد حمادة أن «الاستمارات حُدّثت هذه السنة بعد التغييرات الكبيرة التي طرأت على المجتمع لإعادة تقييم أوضاع الأسر لجعل الأكثر حاجة على رأس الأولوية وصُنفت ضمن ترتيب أبجدي: (أ، ب، ج) حيث يُعد الأكثر حاجة للدعم والإعانة من هو في الخانة أ». يدعم المائدة بشكل رئيسي حزب الله، ومتبرعون من أصحاب الأيادي البيضاء فضلاً عن جمع التبرعات من عموم الناس.