في ظل الأزمة الاقتصادية، كان لا بد من البحث عن مخرج لما نعاني منه والنظر خارج الصندوق الذي نعيش فيه. لهذا استوجبت المُوازنة بين قولين: الأوّل، يقضي بالخصخصة الشاملة لمرافق الدولة، والثاني بإنشاء الدولة لمرافقها وإدارتها وتشغيلها من قِبلها حصراً. والحل الأوسط، يكون بإعمال الشراكة بين القطاعين العام والخاص، أي أن يقوم القطاع الخاص بتشغيل أو بناء مرفق من مرافق القطاع العام من دون تحميل المالية العامة عبء استدانة المال اللازم لهذا المشروع، بما يحقق تنمية الرساميل الخاصة. وفي الوقت نفسه، يعفي الحكومة من مخاطر الاستدانة بالعملة الأجنبية، كما يساهم في تحقيق التنمية في أي قطاع من القطاعات سواء الصناعية أو التجارية أو الاقتصادية.
(هيثم الموسوي)

يحكم قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص إطار قانوني، إن استُغلّ بصورة صحيحة، يمكن أن يشكّل تجربة حقيقية على طريق تعزيز مفهوم الشفافية في مشاريع الدولة، على عكس الحقبات الماضية. فرغم صدور قانون «تنظيم عمليات الخصخصة وتحديد شروطها ومجالات تطبيقها» سنة 2000، إلا أنه لم يُطبّق تطبيقاً صريحاً. فالشراكة بين القطاعين، العام والخاص، قد يفهمها بعض الفاسدين شراكة فساد يمارسه موظف فاسد في القطاع العام برشوة من شريكه في القطاع الخاص، وكلاهما يجنيان أرباحاً على حساب الدولة. لكن، الحقيقة القانونية والاقتصادية لهذه الشراكة ليست كذلك، بل هي تعزيز لمفهوم دولة القانون الذي يعني تأمين المساواة بين العارضين عبر الاحتكام إلى قانون الشراء العام لتطوير المشاريع الصغيرة وفتح المسارات والخيارات أمامها، إلى جانب المشاريع والشركات الكبيرة، بعيداً عن منطق الاحتكار والتسلط والاستخدام السيئ للنفوذ والمشاريع السيئة الطالع، فربما هي سبيلنا لإعادة النظر في أساليب استعادة النمو الاقتصادي، عبر مراجعة أساليب تلزيم الصفقات، وإعادة النظر في أساليب زيادة النافذين لمشاريع ومنافع على حساب الوطن والفقراء.
عام 2017، صدر قانون تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فهل يمكن القول إن هناك بارقة أمل؟
ما هي الشراكة بين القطاعين العام والخاص؟
يقوم مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص على تنفيذ «أي مشروع ذي منفعة عامة يساهم فيه القطاع الخاص عن طريق التمويل والإدارة وإحدى العمليات التالية على الأقل: التصميم، الإنشاء، التشييد، التطوير، الترميم، التجهيز، الصيانة، التأهيل والتشغيل»، على أن تقوم الدولة باتخاذ القرارات وتحديد السياسة العامة والأصول الإدارية لقطاع من قطاعاتها، في حين يقوم القطاع الخاص بتنفيذ وإنشاء المشاريع وإدارتها تحت مراقبة الدولة وإشرافها، ويقتسمان الأرباح الناتجة عن هذه المشاريع بعد أن يحسم القطاع الخاص ما يعود له من تكاليف ناتجة عن عمليات الإنشاء.
ما هي أهم الفوارق بين الخصخصة والشراكة بين القطاعين العام والخاص وفقاً للقوانين اللبنانية؟
الخصخصة:
الشراكة بين القطاعين العام والخاص:
• تحويل المشروع العام كلياً أو جزئياً أو تحويل إدارته كلياً أو جزئياً بإحدى الطرق القانونية إلى القطاع الخاص، بما فيه نظام الامتياز أو الأنظمة الحديثة المشابهة له لإقامة وإدارة مشاريع اقتصادية لمدة معينة.
• القطاع الخاص هو من يضع الأسعار والتعرفات للخدمات.
• القطاع الخاص هو من يدير المرفق المخصص، ويقع على عاتقه تقديم الخدمة من دون أي مسؤولية على الدولة.
• في نهاية العقد قد يُحوّل المشروع إلى القطاع الخاص كلياً في بعض الحالات.
• هو مشروع ذو منفعة عامة يساهم فيه القطاع الخاص عن طريق التمويل والإدارة وإحدى العمليات التالية على الأقل: التصميم، الإنشاء، التشييد، التطوير، الترميم، التجهيز، الصيانة، التأهيل والتشغيل.
• تبقى الدولة هي المسؤولة عن تقديم الخدمة للمواطن.
• لا تمنح الدولة امتيازاً للقطاع الخاص وإنما تشارك معه في أرباح المشروع المشترك التي تحوز امتيازه بصفتها العامة.
• يؤمن القطاع الخاص رأسمال المشروع بنسبة أكبر من نسبة الدولة.
• عقد الشراكة في المشروع هو عقد بين أطرافه يحدد التصميم، التصميم والإنشاء، و/أو التشييد، و/أو التطوير، و/أو الترميم، و/أو التجهيز، و/أو التأهيل البدء بتقديم خدمات المشروع وبعمليات التشغيل والصيانة وكيفية الانتهاء.
• تبقى الدولة مالكة للمشروع وفي نهاية العقد يبقى المشروع للدولة والقطاع العام.
هل سبق أن عرف لبنان تنظيماً قانونياً لعمليات الخصخصة والشراكة بين القطاعين العام والخاص؟
صدر سنة 2000 قانون «تنظيم عمليات الخصخصة وتحديد شروطها ومجالات تطبيقها»، وتضمّن أصولاً خاصة تطال أصول الخصخصة ومعاييرها، إلا أن الحكومات السابقة لم تطبّق هذه الأصول القانونية. وكان الدليل على عدم تطبيقه، الترهّل في مختلف مرافق الدولة وخدماتها والقطاعات التي أوكلتها للقطاع الخاص ولم تستفد من عائداتها. وكانت الكهرباء وقطاع البريد أبرز مثالَين على غياب معايير القانون، إذ كان نصيب الدولة في قطاع البريد على الأخص ضياع مئات ملايين الدولارات بدلاً من جنيها وإيرادها ضمن الإيرادات المالية للخزينة العامة. كما صدر سنة 2020 قانون يجيز للحكومة إنشاء نفق لطريق بيروت - البقاع على طريقة الـBOT أو بالشراكة مع القطاع الخاص بموجب القانون 174/2020، إلا أن القانون لم يوضع موضع التنفيذ رغم أنه ينصّ على وجوب قيام الحكومة بتقديم مشروع متكامل عن خطة المشروع وتكاليفه ومراحل تنفيذه، تبدأ بمهلة ستة أشهر من تاريخ نفاذ القانون.
ما هي القطاعات أو المرافق التي يمكن أن تكون موضوعاً للشراكة بين القطاعين العام والخاص؟
بناء المرافق العامة، الكهرباء وسائر المرافق والاتصالات السلكية واللاسلكية والسكك الحديدية والمرافئ والمطارات، ومشاريع النقل العام والصحة والاستشفاء، وبناء وإدارة السجون والمستشفيات الحكومية وجميع المشاريع المشتركة المنصوص عليها في القوانين المنظمة لقطاعات الاتصالات والكهرباء والطيران المدني وأي خدمة عامة يقدمها مرفق عام للمواطنين.
من هي الجهات الحكومية التي تخضع إلزامياً لأحكام قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص؟
تخضع حكماً لأحكام هذا القانون، المشاريع المشتركة التي تقوم بها الدولة والمؤسسات العامة وسائر أشخاص الحق العام. أما البلديات أو اتحادات البلديات فيجوز لها أن تُخضع المشاريع المشتركة التابعة لها لأحكام هذا القانون بصورة اختيارية.
ويكون حينذاك الشخص العام: الدولة أو المؤسسات العامة بما فيها الهيئات المنظمة أو البلديات أو اتحادات البلديات وسائر أشخاص الحق العام.
من هي الجهة التي بإمكانها أن تكون شريكاً خاصاً للقطاع/الشخص العام؟
كل شركة أو تكتّل شركات محلية و/أو أجنبية من القطاع الخاص تفوز بعقد الشراكة.
ما هي المعايير التي يقتضي مراعاتها في عمليات الشراكة؟
• تأمين المنافسة والشفافية.
• حماية مصالح المستهلك من حيث مستوى الأسعار وجودة السلع والخدمات.
• ضمان حقوق العمالة الوطنية العاملة في المشروع العام المراد الشراكة فيه.
• حماية المال العام عبر تقييم أصول وممتلكات المشروع العام وفق الأسس المالية والاقتصادية المعتمدة دولياً قبل خصخصتها.
• التقيّد بالقواعد والإجراءات المنصوص عنها في قانون الشراء العام التي تؤمن العلانية والمنافسة.
• حماية حقوق الخزينة وعائدات الدولة المالية.
• توسيع قاعدة المشاركة في الملكية ورأس المال بإعطاء الفرصة للمواطنين للمساهمة في ملكية أو إدارة المشروع العام والحؤول دون احتكار الأسهم.
• استقطاب الاستثمارات الخاصة للمساهمة في مشاريع الخصخصة أو الشراكة.
• المحافظة على سلامة البيئة.
من هو المجلس الأعلى للخصخصة والشراكة؟
يتألف المجلس الأعلى للخصخصة والشراكة من: رئيس مجلس الوزراء رئيساً وعضوية كل من:
وزير العدل، ووزير المالية، ووزير الاقتصاد والتجارة، ووزير العمل، إضافة إلى الوزير المختص عند النظر في خصخصة أو شراكة مشروع عام يدخل نشاطه في نطاق مهام الإدارات التابعة له أو الخاضعة لوصايته.
ما هي واجبات وصلاحيات المجلس الأعلى للخصخصة والشراكة؟
يتولى المجلس تخطيط وتنفيذ برامج وعمليات الخصخصة والشراكة عبر:
• اقتراح السياسة العامة للخصخصة والشراكة وأساليب تنفيذها وعرضها على مجلس الوزراء للموافقة عليها وتلقي اقتراحات المشاريع المشتركة واتخاذ القرارات اللازمة بشأنها.
• إعداد برنامج زمني بالمشاريع العامة التي يزمع خصخصتها أو الشراكة فيها وعرضه على مجلس الوزراء لاعتماده.
• إصدار القرارات اللازمة لتحقيق عمليات الشراكة والخصخصة وإجراءاتها وفق البرنامج الزمني المعتمد والإشراف على تنفيذه.
• تقييم أصول وممتلكات المشروع العام وفقاً للأسس المالية والاقتصادية المعتمدة دولياً.
• تحديد الميزانية الانتاجية للمشاريع المخصخصة وعرضه على مجلس الوزراء للموافقة عليه.
• إعداد مشاريع القوانين والمراسيم عند الاقتضاء وتقديم التوصيات اللازمة لضمان تنفيذ برامج وعمليات الخصخصة والشراكة.
• القيام بأي مهمة أخرى تتعلق بعمليات الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
هل يجوز للشريك الخاص بعد فوزه التفرّغ عن أسهمه لشركات أو أشخاص آخرين؟
لا يجوز للشريك الخاص أن يتفرّغ للغير عن أسهمه في شركة المشروع، قبل بلوغ المشروع المرحلة التشغيلية، من دون موافقة مجلس الوزراء. أما في المشاريع ذات الطابع البلدي، فيقتضي نيل موافقة المجلس البلدي أو مجلس الاتحاد.
على من يقع واجب اقتراح المشاريع وما هي الآلية لذلك؟
تُقترح المشاريع المشتركة من قِبل رئيس المجلس الأعلى للشراكة والخصخصة أو الوزير المختص.
أما المشاريع المشتركة ذات الطابع البلدي، فتقترح من قِبل رئيس المجلس البلدي أو رئيس مجلس الاتحاد. يتم الاقتراح عبر تقديم ملف إلى المجلس يتضمّن دراسة أولية للمشروع.
يتوجب على الأمانة العامة للمجلس الأعلى أن تقوم بإعداد دراسة وافية للمشروع المشترك المقترح، وأن تقدّم للمجلس تقريراً يتضمّن توصيتها حول مدى إمكانية تنفيذ المشروع المقترح عن طريق عقد شراكة، ومدى اهتمام القطاع الخاص بتمويله والاستثمار فيه، تمهيداً لاتخاذ المجلس قراره بقبول الاقتراح أو رفضه.
يحكم قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص إطار قانوني، إلا أنه لم يُطبّق تطبيقاً صريحاً


في حال الموافقة على السير بمشروع الشراكة ما هي الأصول القانونية المحددة لحسن سير المشروع؟
عند موافقة المجلس على قبول الاقتراح والسير بالمشروع:
1. يؤلف المجلس لجنة للمشروع يرأسها أمين عام المجلس وتضم ممثلاً عن الوزير المختص وممثلاً عن وزارة المالية، ورئيس الهيئة المنظمة للقطاع في حال وجودها، ورئيس المجلس البلدي أو رئيس مجلس الاتحاد عند النظر في المشاريع ذات الطابع البلدي.
2. يُحال ملف المشروع مع التقارير الفنّية والمالية إلى مجلس الوزراء.
3. بعد موافقة مجلس الوزراء على السير في المشروع المشترك، تطلق لجنة المشروع إجراءات اختيار الشريك الخاص.
ما هي اجراءات اختيار الشريك الخاص؟
تخضع إجراءات اختيار الشريك الخاص لمبادئ الشفافية وحرية الاشتراك للمرشحين المتنافسين والمساواة في معاملتهم، ويجب أن تسبقها العلنية وتكون الإجراءات كما يلي:
1. الإعلان عن دعوة عامة للراغبين بالترشح للفوز بالمشروع المشترك، تتضمّن معايير التأهيل التي تتناسب مع حجم المشروع المشترك وطبيعته.
2. نشر الدعوة قبل مدة شهر على الأقل من الموعد النهائي لتقديم طلبات الاهتمام في صحف محلية ودولية ومجلات متخصصة وعلى موقع المجلس الإلكتروني.
3. دراسة طلبات التأهيل المقدمة والتدقيق بمستنداتها وتقيّمها اللجنة وترفع تقريراً إلى المجلس.
4. يبت المجلس في التقرير ويتم الإعلان عن نتائج التأهيل، على أن لا يقل عدد المرشحين المؤهلين عن ثلاثة.
5. إعداد مسودة دفتر شروط وعرضها على المجلس.
6. يرفع دفتر الشروط إلى مجلس الوزراء لأخذ الموافقة النهائية عليه. أما في ما خص المشاريع المشتركة ذات الطابع البلدي، وبعد موافقة المجلس على دفتر الشروط، فيحال بواسطة رئيس المجلس إلى رئيس المجلس البلدي أو رئيس مجلس الاتحاد المعني لنيل المصادقات اللازمة.
7. يبلّغ دفتر الشروط إلى المرشحين المؤهلين من قِبل لجنة المشروع.
8. يقوم المرشحون المؤهلون بإعداد عروضهم الفنية والمالية وتقديمها إلى لجنة المشروع.
9. يفوز بالعقد المرشح الذي تقدّم بالعرض الأفضل.
10. تعلن لجنة المشروع عن النتيجة التي انتهت إليها عملية الاختيار وتبلّغ العارضين المتبقّين أسباب فشل عروضهم.
11. يتوجب على الشريك الخاص تأسيس شركة مغفلة لبنانية للمشروع (شركة المشروع) تكون كافة أسهمها اسمية.
هل نُظّمت أعمال المجلس الأعلى للخصخصة والشراكة قانوناً؟ وماذا ينقصها؟
سنة 2019، صدر مرسوم تنظيم أعمال المجلس الأعلى للخصخصة والشراكة وسير عمله، المرسوم رقم 5730/2019، وقد نظّم أحكام هذا المجلس بدقة تامة، ولكن بقيَ أمران ناقصان: الإرادة وغياب الفساد.