لم يحمل الجزء الأخير من التقرير السادس، الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ، أي جديد على مستوى التحذيرات من الكوارث المناخية. وبالرغم من اعترافه الضمني أن الوقت قد فات لإنقاذ المناخ، أو الوفاء بتعهدات اتفاقية باريس المناخية بعدم تجاوز درجات حرارة الأرض الدرجة ونصف الدرجة، لا يزال (على عادة هذه الهيئة الدولية التي تأسست منذ عام 1988 والتي تضمّ خبراء من جميع أنحاء العالم، مع غلبة عددية غربية)، لا يزال يترك فسحة أمل ويراهن على إمكانية تغيير رأي أصحاب القرار حول العالم! صدر حتى الآن عن هذه الهيئة، التي تقدّم المشورة العلمية لأصحاب القرار، 6 تقارير بمعدل تقرير كل 5 إلى 7 سنوات… وكلها تقدم سيناريوهات متشائمة حول ارتفاع حرارة الأرض وزيادة الفيضانات والجفاف والمظاهر المناخية المتطرّفة… وتؤكد على مسؤولية الإنسان والأنظمة المسيطرة، لا سيما بعد الثورة الصناعية التي زادت من الانبعاثات المؤثرة على تغيّر المناخ العالمي. وقد تزامن صدور هذا الجزء الأخير من التقرير، مع انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للمياه في مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك منذ أيام، الذي هدف إلى تسريع التقدّم نحو الوصول الشامل إلى المياه المأمونة ومعالجة الصرف الصحي بحلول عام 2030. وهو مؤتمر شبيه في أهدافه بآخر مؤتمر أممي للمياه الذي عقد في الأرجنتين عام 1977، ولم ينجح في تحقيق شيء، ليس بسبب أزمة تغيّر المناخ المستجدة، مع ما يرافقها من موجات جفاف وفيضانات، بل بسبب سوء الإدارة العالمية وتراجع دور الدول في حماية الموارد والتعامل معها كحقوق، وبسبب تفلّت استثمارات الشركات الكبرى من أي قيد، وسيطرة اتجاهات الخصخصة والتسليع التي فاقت بقدراتها الربحية والمالية قدرات الدول والأمم المتحدة وبرامجها الدولية ذات الصلة. فبالرغم من كلّ ما كُتب وما قيل، وبالرغم من توصيات المؤتمرات الدولية ذات الصلة، لا يزال أكثر من مليارَي شخص حول العالم يفتقرون إلى المياه الآمنة والصالحة للشرب، وما يقرب من الأربعة مليارات يفتقرون إلى معالجة مياه الصرف التي تعتبر المسبّب الأوّل بتلوّث المياه حول العالم، حيث لا يزال يصرف ما يقرب من 80% من مياه الصرف في البيئة من دون معالجة. كما بيّنت دراسات الأمم المتحدة أنّه بين 75 و90% من الكوارث المناخية مرتبطة بالمياه، إن لناحية الفيضانات وموجات الجفاف، أو لناحية ذوبان الجليد وارتفاع منسوب مياه البحار وزيادة حرارة المياه وتلوّثها وتسبّبها بأمراض كثيرة، إلخ. مع توقع زيادة الطلب على المياه بنسبة 1% سنوياً، وزيادة الضغط على المياه العذبة، لا سيما الجوفية منها، بنسبة 40% بحلول عام 2050، العام المتوقع أن تتجاوز حرارة الأرض فيه الدرجة ونصف الدرجة، خلافاً للتوقعات السابقة التي كانت تتحدث عن نهاية القرن.
لن يجدي العالم نفعاً الهدف الذي حدّدته الأمم المتحدة، بأن يكون عام 2027 العام الذي يمكن تحذير كلّ شخص حول العالم من الكوارث المناخية عبر إنشاء أنظمة إنذار مبكر، بكلفة تقرب من 3 مليارات دولار أميركي. فتقارير الهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ الـ6، التي صدرت تباعاً خلال أكثر من ربع قرن، كانت بمثابة «جرس إنذار» مبكر، لم يسمعه أحد، بدليل عدم تغيير النظام العالمي المسبّب بزيادة الانبعاثات وتغيّر المناخ. وكلّ التوقعات، بحسب التقارير السالفة الذكر، تشير أيضاً إلى أن الهجرات التي ستتسبّب بها الكوارث المناخية، ستكون أكبر من الهجرات التي تسبّبت بها الحروب تاريخياً، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الكلفة الاقتصادية التي ستطيح بكلّ مكتسبات التنمية التي عرفتها البشرية. ولم تكن صدفة أن انتقل النقاش في قمة المناخ الأخيرة في شرم الشيخ (كوب27) من تمويل التخفيف والتكيّف مع تغيّر المناخ (أخلّت الدول المتقدّمة بالتزامات تمويلها)، إلى موضوع كيفية التعويض عن الخسائر والأضرار التي ستنجم عن الكوارث المناخية، والتي تقدّر بتريليونات الدولارات وليس بمئات المليارات، كما كانت التقديرات قبل انعقاد قمة باريس عام 2015.
في الخلاصة، لم تعد الأهداف والحلول التي تطرحها الأمم المتحدة كافية للتعامل مع أضرار وخسائر مناخية بهذا الحجم المدمّر للحضارات. كما يفترض تغيير كلّ جداول أعمال القمم والمفاوضات الدولية ذات الصلة، والدخول في جوهر المشكلات العالمية المتمثلة بسيطرة أنظمة اقتصاد السوق العالمية القائمة على المنافسة والربح واستباحة كل الموارد الممكنة من أجل هذه «المنافسة». وإذ لا يمكن الرهان على «صحوة» الدول «المتقدّمة»، كما ظهر منذ بداية التسعينيات بعد انعقاد قمة الأرض في الريو، وإقرار الدول المتقدّمة بالمسؤولية التاريخية عن الانبعاثات التي غيّرت وجه الأرض وتسبّبت بالكوارث المناخية، كان الرهان أخيراً في قمة شرم الشيخ المناخية الـ27 على تحالف وإصرار «الدول النامية» التي فرضت موضوع «الخسائر والأضرار» على جدول الأعمال. فماذا ستحضر هذه الدول للكوب 28 الذي سيعقد في دبي قبل نهاية هذا العام، لاستكمال تحميل المسؤوليات وإنقاذ المناخ والكوكب في آن؟
تعتبر البلدان النامية، بالإضافة إلى الصين، التكتل الأكبر في اجتماعات المناخ، كونها تضمّ 134 دولة نامية. وطالما أنّ دول المنطقة انفتحت على الصين كدولة كبرى صاعدة وأكثر من نامية، على هذه الأخيرة مسؤولية تاريخية أيضاً لتغيير اتجاه مباحثات المناخ الدولية. وهذا التغيير لن يحصل فعلاً، إلا إذا غيّرت البلدان النامية والصين سياساتها وقدمت نموذجاً حضارياً بديلاً عن اقتصاد السوق من النواحي كافة. وهذا الموضوع مطلوب من دولة مثل الصين أولاً، كونها لم تنتقل من دولة نامية إلى دولة ناشئة ومن ثم دولة صاعدة وعظمى، إلا لأنها تبنّت النموذج الحضاري الغربي، ودخلت بقوة في اقتصاد السوق المشكو منه! وهي بالمناسبة انتقلت من كونها الدولة الثانية في الانبعاثات العالمية المسبّبة بتغيّر المناخ قبل الولايات المتحدة الأميركية إلى الدولة الأولى منذ عام 2008!
عند هذه الحدود، من الآن فصاعداً، يفترض تقييم مؤتمرات المناخ ومدى جدية الدول في مقاربتها، لا سيما تلك الدول المسؤولة أكثر من غيرها عن الانبعاثات العالمية. وللحديث صلة.