جرّاء الانهيار الاقتصادي وتفاقم الأزمات الدبلوماسية مع الدول الخليجية والتشدد في إعطاء تأشيرات دخول للبنانيين إلى عدد من دول الخليج، قرّر علي بعد استبعاده مع عائلته من إحدى الدول الخليجية اللجوء إلى شراء جنسية أخرى. رغم تأكيده عدم رغبته في مغادرة لبنان مجدداً، وأن الأزمات التي يعيشها اللبنانيون حالياً عابرة، لكنه يشتري ضمانة لمستقبل أولاده، لمنحهم حرية السفر والتنقل والدراسة في الخارج إن رغبوا، إذ يعتقد أن انتماءه إلى طائفة معيّنة يصعّب عليه الحصول على تأشيرة سفر إلى عدد من الدول ولا سيّما الأوروبية، لذلك أراد من خلال الجنسية الثانية تسهيل الأمر على أولاده.أما هادي، فقد عاش صراعاً بين الاستثمار بمبلغ 135,000 دولار في لبنان أو شراء جنسية ثانية، وأمام تصنيف جواز السفر اللبناني من بين الأسوأ لجهة الحصول على تأشيرات وحاجته المستمرة إلى السفر بحكم عمله، فضّل شراء جنسية صادرة من جزيرة سانت كيتس ونيفيس في البحر الكاريبي. وأصبح بإمكانه السفر إلى أكثر من 150 دولة، بينها دول أوروبية، من دون الحاجة إلى استصدار تأشيرات دخول. يؤكد هادي أن جواز سفره الثاني سهّل عليه تنقله وعمله، وهو لا يعرف عن «بلده الجديد» سوى أنه بلد جميل، لكنه لا يفكر بزيارته أبداً ولا التعرف إليه أو إلى ثقافته واللغة المحكية فيه!

الجنسية مقابل المال
لا يعي البعض المفهوم الحقيقي والخطير للحصول على جنسية. فتلك الوثيقة ليست مجرد حبر على ورق مزيّنة بأختام وعلم البلد. والحصول على الجنسية يعني الحصول على صفة مواطن بما يترتب عليها من واجبات وحقوق والتزامات سياسية، كالترشّح والانتخاب ودفع الضرائب والمشاركة في الخدمة العسكرية وحرص المواطن على التمسّك بوطنه وحفظ أمنه.
لكن بعض الدول لا تلتفت إلى كل هذه الضوابط الاجتماعية، وحوّلت جنسيتها إلى سلعة للاستثمار الاقتصادي بهدف إنعاش اقتصادها، فلا تمانع منح جنسيتها بهدف كسب فائدة اقتصادية، شرط أن يكون الأمر منظّماً وتحت إشراف القانون الدولي، من دون الالتفات إلى تعزيز الهوية الوطنية أو إنشاء أي رابط بين مكتسب الجنسية ووطنه الجديد. فكيف يمكن قبول أناس للانتماء إلى دولة معيّنة وهم لا يحملون في قلوبهم الولاء لذلك الوطن، إنما يرونه مجرّد وطن خدماتي وضمانة لمصالحهم المالية؟
فقد أصبحت عملية شراء جوازات السفر تستقطب أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين، مثلها مثل شراء العقارات والمجوهرات واليخوت، إذ تُعدّ برامج الجنسية عن طريق الاستثمار طريقاً مباشراً للحصول على جواز سفر ثان، يمنح المتقدمين جنسية دائمة وجواز سفر عند الاستثمار في الدولة المانحة للجنسية من دون الحاجة إلى الإقامة في تلك الدولة أو حتى زيارتها.


وتشير تقارير إلى أن دولاً مثل سانت كيتس ونيفيس اللتين سجّلتا نمواً في إجمالي حجم الطلب، وكومنولث دومينيكا، التي شهدت ارتفاعاً كبيراً، تأتي على قائمة الجنسيات الأكثر تفضيلاً ضمن برامج الجنسية عن طريق الاستثمار في أوساط المواطنين اللبنانيين. من جهة أخرى، ارتفع الطلب الإجمالي على برامج الجنسية السريعة لبعض الدول الأوروبية مثل قبرص.
وتختلف شروط وطرق الحصول على جنسية ثانية عن طريق الاستثمار. فبعض الدول تطلب مساهمة بمبالغ مالية لصالح الصناديق الحكومية، ومنها من تشترط استثماراً عقارياً بمبالغ محددة. وتختار النسبة الكبرى من اللبنانيين الراغبين باكتساب جنسية ثانية الحصول على جواز سفر ثان عن طريق المساهمة المالية، مقابل خيار الاستثمار العقاري الذي قد يبدو أعلى كلفة.
تبدأ كلفة برامج الجنسية من 100,000 دولار أميركي، وتتيح هذه الجوازات لحامليها إمكانية السفر من دون تأشيرة إلى أكثر من 120 دولة، بما فيها المملكة المتحدة ودول شِنغن.
أما الحصول على الجنسية الأوروبية فيتطلب قدراً أكبر من الاستثمار. فمن الممكن الحصول على جواز سفر لإحدى دول الاتحاد الأوروبي في غضون 6 أشهر فقط عن طريق الاستثمار العقاري في قبرص بمليونَي يورو، على أن يُحتفظ بالعقار لمدة ثلاث سنوات، ويمكن بيعه بعد انقضاء تلك المدة. كما بإمكان أفراد أسر المتقدّمين، أن يصبحوا مواطنين أوروبيين، الأمر الذي يسمح لهم بالعيش والعمل والدراسة في أي من دول الاتحاد الأوروبي. ويمكنهم أيضاً توريث الجنسية للأحفاد والأجيال القادمة من بعدهم.

شروط الحصول على الجنسية
تحدد الدول في قوانينها ونظمها شروطاً محددة للحصول على الجنسية، تتدرّج بين منح الجنسية بصورة آلية وفقاً لرابطة الدم أو النسب، فالمولود يُمنح الجنسية إذا كان والداه أو أحدهما يحمل الجنسية، أو رابط الإقليم أو الأرض، فيُعدّ المولود حاملاً جنسية الدولة التي ولد على أراضيها بغضّ النظر عن جنسية الوالدين. كما يمكن اكتساب الجنسية من خلال تقديم طلب الحصول على جنسية أخرى، إذا توفرت الشروط المحددة قانوناً والتي تتمثل في غالبية القوانين بإثبات الإقامة الدائمة وغير المنقطعة لفترة زمنية معيّنة، وفي بعضها إثبات الاندماج الثقافي والاجتماعي في المجتمع، المتمثلة غالباً بإتقان اللغة واحترام الأنظمة العامة والقوانين ودفع الضرائب. وتلجأ بعض الدول إلى إعطاء جنسيتها بصورة استثنائية لِمن يقدّم لها خدمات جليلة، أو لمن يقوم باستثمارات مالية أو عقارية أو لنجوم الرياضة.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره


جوازات مزوّرة
صلاح شاب سوري مقيم في لبنان، تفرض عليه طبيعة عمله التنقل بين الدول. وكَونه سورياً، كان يواجه صعوبة للحصول على تأشيرات سفر ناهيك عن مضايقات يتعرض لها في المطارات. أقنعه أحدهم بإمكانية شراء جنسية إحدى دول أميركا اللاتينية، ما يمكّنه من دخول عدد من الدول الأوروبية بمبلغ لا يتجاوز خمسين ألف دولار أميركي. وبالفعل استحصل على جواز سفر جديد تجوّل فيه لمدة سنتين في عدد من الدول الأوروبية من دون أي مشكلات، إلا أنه فوجئ في زيارته الأخيرة لوطنه الجديد بتوقيفه في المطار والتحقيق معه. وطبعاً، عدم تمكّنه من اللغة صعّب عليه التفاهم مع رجال الأمن، إلى أن حُوّل إلى المحكمة بتهمة استحصاله على جواز سفر بناءً على قرار تجنيس مزوّر، لينتهي حلم التنقل بحرية إلى التنقل بين أروقة السجون في بلد غريب.
إعلانات مغرية وازدهار سوق الجنسيات
في الأعوام الأخيرة، ازدهر عمل الشركات المتخصّصة في تقديم استشارات في مجال جوازات السفر، وكثرت الإعلانات في اللوحات الدعائية أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. وتحوّلت بعض الشركات العقارية إلى شركات استشارية للاستثمار العقاري في الخارج والحصول على جوازات السفر. يؤكد مدير إحدى هذه الشركات أن العمل ازدهر في السنوات الأخيرة بصورة جنونية مع زيادة إقبال اللبنانيين والمقيمين على شراء العقارات في قبرص واليونان وتركيا بهدف الحصول على إقامة طويلة أو الاستفادة من برامج منح الجنسية، ومنهم من كان يبحث عن التقاعد في دول أوروبية.
وحذّر من عمليات نصب واحتيال يقوم بها البعض، مستغلين حاجات الناس وأوجاعهم، كما دعا المواطنين الراغبين بالاستفادة من برامج منح الجنسية التوجه إلى مكاتب مرخّصة ومعتمدة من قِبل السفارات وعدم الانجرار خلف الإعلانات التي قد تكون وهمية، وأكد أن التطور التكنولوجي يسمح للجميع بالبحث والتأكد من المعلومات ومن حقيقة البرامج المعتمدة ومن صحة التقديمات من الدول التي يُروّج لها.
وفي غياب الرقابة على كلّ القطاعات في لبنان وانتشار الفوضى والتهرّب من العقاب، كيف يمكن حماية المواطنين والمقيمين من موجة الإعلانات المغرية التي تقتحم شوارعنا وشاشاتنا للترويج لشراء جنسيات ثانية؟

هل يُشترى الانتماء؟
قد تُعدّ برامج الجنسية حلاً مزدوجاً للدول المأزومة اقتصادياً وللأفراد الباحثين عن مطامع اقتصادية أو اجتماعية. ولكنها بالتأكيد نموذج غير سويّ لبناء الدول، فكأننا نعمل على رسم لوحة فنية بعناصر غير متجانسة أو نشيّد بناء من دون أساس ولا ترابط بين طبقاته.
فالعلاقة بين المواطن ووطنه لا يمكن أن تُقاس أو تُختصر باستثمارات أو مساهمات مالية، هي انتماء إلى هوية تُشكل جزءاً من التركيب النفسي والعقلي للفرد منذ ولادته حتى وفاته، هي الانتماء الأبدي إلى وطن بكل ما يمثله من عادات وتقاليد وتاريخ وثقافة وتطلّعات وحنين إلى كل تفاصيله.
تبقى الجنسية الثانية شبه مستحيلة للبنانيين في ظل الأزمات المعيشية وتنحصر حكماً في طبقة معيّنة


فالانتماء الحقيقي، هو الشرط اللازم لحمل جنسية أي وطن والاعتزاز به والدفاع عنه والتضحية من أجله، وتحمّل كلّ التقلبات التي يمرّ بها، فلا يمكن معاملة الأوطان على أنها سلة ننتقي منها ما يناسبنا ويلبّي طموحاتنا ونرمي الباقي.
من هنا، لا يمكن تقبّل سياسات الدول التي تقوم ببيع جنسياتها من دون ضوابط وشروط، أهمها الإقامة والاندماج الاجتماعي. ومن المؤكد أن قيام هذه الدول لن يكون سليماً في المستقبل. فالعامل الأساس لقوة أي بلد هو تماسك شعبه وتعلقهم بأرضهم وجذورهم، أما العامل الاقتصادي فلا يبني سوى دول هشّة قابلة للكسر عند أول أزمة.
كما لا يمكن ضمان الاستقرار في هذه الدول، إن كان على الصعيد الاقتصادي أو السياسي أو الدولي أو القانوني. فقد يحدث تعديل لقوانين الجنسية داخل هذه الدول وتُسحب الامتيازات من المجنّسين. أو ربما يوضع حظر على هذه الدول أو يتدنى ترتيب جوازاتها في المستقبل وخسارة ميزة الدخول إلى الدول الأوروبية. ويُفقد بذلك الرابط بين المجنّس والوطن المزعوم، وتكون الخسارة المادية قد أُضيفت إلى خساراته في وطنه الأم، فما الضمانة؟



مزايا الحصول على جنسية ثانية
• سهولة التنقل بين دول العالم بدون تأشيرة سفر وإنجاز الأعمال التجارية في معظم دول العالم بحريّة حركة وراحة بال.
• فتح آفاق جديدة من الفرص التجارية الاستثمارية على مستوى العالم، وإمكانية استغلال الفرص التجارية المناسبة للفرد.
• التمتّع بنظام ضريبي مميّز وإعفاءات ضريبية يصعب إيجادها في البلد الأصلي، ما يسهّل للفرد إدارة رأس ماله بكل حرية والعمل على تنميته في بيئة اقتصادية ناجحة.
• الشعور بالراحة والأمان في بلد مستقر أمنياً وسياسياً واقتصادياً، فينعم الفرد مع عائلته باستقرار معنوي.
• منح الفرد وعائلته فرصة تلقّي تعليم عالي المستوى ورعاية صحية ممتازة ونظام تقاعد عادل وبنية تحتية صلبة، تغيّر من أسلوب حياته إلى الأفضل، لعيش حياة الرفاهية والاستقرار.


طرق الحصول على الجنسية اللبنانية
1- عبر الميلاد:
• من وُلد لأب لبناني.
• من مواليد لبنان لأبوين مجهولين أو لأبوين بلا جنسية (بدون).
• يمكن الحصول على الجنسية من قِبل الأشخاص من أسلاف لبنانيين، وفقاً للقانون الرقم 41. يكون الشخص مؤهلاً للتقدم بطلب استعادة الجنسية إذا كان بإمكانه إثبات علاقته بأسلاف ذكور مسجلين على أنهم لبنانيون.
• وتجدر الإشارة إلى أن القانون اللبناني لا يمنح الجنسية التلقائية للأطفال المولودين من أم لبنانية وأب أجنبي، حيث لا تُمنح الجنسية إلا عن طريق الذكور.
2- عبر الزواج:
وينحصر الحصول على الجنسية اللبنانية بالزواج فقط بالإناث المتزوجين من ذكر لبناني حسب الشروط التالية:
• أن يكون قد مضى على زواجها من ذكر لبناني مدة بين سنة وثلاث سنوات.
• إنجاب طفل أو أكثر من الزوج اللبناني (في حالة السورية والفلسطينية).
• الاندماج في طريقة الحياة اللبنانية والامتثال لحكم القانون اللبناني.
• أنها لا تسبب خطراً على الأمن الداخلي والخارجي لجمهورية لبنان.
• وجود علاقات وثيقة بجمهورية لبنان.
3- من خلال الأصل:
يحق استعادة الجنسية اللبنانية لكل شخص يستوفي أحد شرطي الأهلية أدناه:
• إذا كانت سجلات تعداد 1921 في وزارة الداخلية والبلديات وسجلات الهجرة تشير بوضوح إلى وجوده أو وجود أسلاف أو أقرباء إلى الدرجة الرابعة، كما هو مسجّل في سجلات التعداد السكاني لعام 1921 في وزارة الداخلية والبلديات (التي ستثبت الهجرة إلى سلف مباشر من الأب/الأجداد).
• إذا كان هو أو سلفه أو أقرباؤه المذكورون أعلاه قد تجنّسوا كمواطنين لبنانيين بموجب قانون التجنيس الصادر في 19 كانون الثاني 1925، وأهمل المطالبة بجنسيته أو استعادتها.
• التحقق من «الوجود الفعلي للأقارب اللبنانيين في البلدة أو القرية أو الحي» الذي قد يدّعي الفرد أن درجة القرابة منها، إلى جانب أي ملكية/حيازة حقوق الملكية العقارية التي قد تكون «مستوحاة أو موروثة من مواطن لبناني».
(في 12 تشرين الثاني 2015، وافق مجلس النواب اللبناني على مشروع قانون يسمح «للأجانب من أصل لبناني بالحصول على الجنسية». وأعلن وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في 5 أيار 2016 بدء تطبيق قانون الجنسية للشتات اللبناني).