لم تترك الأزمة المالية مكاناً ينجو من الكارثة، وأحد تلك الأمكنة هو مستشفى دار الأمان لرعاية المسنّين، التابع لجمعية المبرات الخيرية الإسلامية، في منطقة العباسية. فهذا الأخير بات اليوم، وبعد أربع سنوات من عمر الأزمة، في دائرة الخطر، مع الصعوبة التي يواجهها القيّمون عليه في تأمين السيولة اللازمة لاستكمال المهمّة. صحيح أن دوراً كثيرة تواجه المصير نفسه، إلا أن لهذه الدار خصوصيتها، لكونها المكان الوحيد لرعاية المسنين في منطقة الجنوب بأكملها. وهذا يعني أن أيّ خيارٍ سيّئ سينعكس حكماً على تلك الفئة التي ستجد نفسها يوماً بلا ملجأ.تُعدّ هذه الأزمة التي يمرّ بها المستشفى من أصعب الأزمات التي يواجهها منذ نشأته في عام 2005. فعلى مدى تلك السنوات الطويلة، استطاع المستشفى القيام بواجباته تجاه المسنين، إن كان لناحية قدرته الاستيعابية التي تبلغ مئة سرير موزّعة في ست طبقات، أو من خلال الخدمات الصحية الأساسية، التشخيصية والوقائية والعلاجية، وكذلك خدمات العلاج التأهيلي والفيزيائي، وتنظيم النشاطات الترفيهية والاجتماعية المختلفة. أما اليوم، فلم تعد الخدمات كما في السابق، بسبب الضائقة المالية وصعوبة تأمين موارد جديدة وانخفاض أعداد الموظفين فيه، إضافة إلى السبب الأهم الذي يتعلق بـ«انسحاب الدولة كلياً من أي دور رعائي لها لمساعدة المسنين، رغم أن المستشفى متعاقد مع وزارتي الشؤون الاجتماعية والصحة العامة»، يقول مدير المستشفى، الدكتور أسعد حيدر، مؤكداً أنه «منذ عام 2020، لم تدفع وزارة الصحة ما يتوجب عليها من مبالغ تُعتبر أصلاً رمزية». ولذلك، فقد أخذت جمعية المبرات، طوال هذه الفترة، على عاتقها توفير كلفة الرعاية للمسنين «بالتعاون والتكافل مع عدد من أقرباء المسنين».

استقالة موظفين
ولكن، بعد ارتفاع سعر صرف الدولار وانخفاض قيمة الرواتب، بدأت الأزمة تطفو على السطح، فمن جهة لم تستطع الجمعية رفع أجور العاملين بما يتناسب مع غلاء المعيشة، إذ بقي راتب الموظف أو الممرض يُراوح بين 7 و10 ملايين ليرة، ما دفع عدداً لا بأس به منهم إلى الاستقالة، من دون قدرة المؤسسة على تأمين البديل بسبب عدم القدرة على توفير الأجور العادلة. وفي السياق نفسه، يشير حيدر إلى أن «عدد الممرضات المشرفات على العناية انخفض الى النصف، ما يزيد من العبء ويخفف من القدرة على تأمين كامل الخدمات الرعائية اللازمة». وإن كان المستشفى لا يزال متعاقداً مع 13 طبيباً متخصصاً، ولا يزال يغطي ما هو لازم وضروري لتأمين الرعاية للمسنين، إلا أن «القدرات المالية باتت شحيحة، بعدما تراجعت قيمة التبرّعات إلى أكثر من 80%».

...وانسحاب مسنّين
من جهة أخرى، تبرز معضلة تأمين كلفة رعاية المسنّ، مع وصولها اليوم إلى 15 مليون ليرة شهرياً بالحدّ الأدنى. وقد انعكست هذه الكلفة، ليس فقط على المؤسسة، وإنما أيضاً على عائلات المسنين، إذ اضطر البعض للتخلي عن الدار بسبب عدم القدرة على دفع ما يتوجّب، كما القيام بالزيارات الأسبوعية بسبب غلاء كلفة النقل. وتشير المعلومات إلى أن عدد المسنين انخفض في الدار من 80 إلى 64. وقد أحدث هذا الأمر تداعيات سلبية على نفسية المسنين، إذ تشير مسؤولة العلاقات العامة في الدار غزوى حيدر إلى أن «عدداً من المسنين رفض الخروج والعودة إلى المنازل بسبب التعلّق بالدار، حيث يشعر كثيرون بالحنان والاهتمام، وخصوصاً أنها تؤمن لهم كل وسائل الراحة إضافة الى الأنشطة الترفيهية والعلاجية». ولذلك تأمل حيدر «من كل من يستطيع المساعدة تقديم ما يمكن لخدمة هؤلاء المسنين الذين لا يجدون بمعظمهم بديلاً من الدار، إما لأنهم فقدوا كلّ أقربائهم، ولا أولاد لهم، وإما لأن بعضهم كان في الأصل بلا مأوى أو يعمل في الطرقات».


نادي المسنّات في الطيبة
لا يشبه «نادي المسنّات» في بلدة الطيبة، الذي تشرف عليه البلدية، مستشفى دار الأمان، ولكن يمكن اعتباره مكاناً آخر استثنائياً لرعاية المسنّات حصراً، وإن كان ليس مقراً للإقامة وإنما فقط أشبه بفسحة للترفيه، حيث تُنقل المسنّات في كل صباحٍ إليه وعلى مدى ثلاثة أيامٍ أسبوعياً بباصات خاصة بالبلدية.
يقدّم هذا النادي خدمات ترفيهية ورياضية، كما ينظّم ورش أشغال خاصة بالمسنات، ويراقب صحتهن من خلال العيادة الطبية الموجودة فيه ومدى التزامهن بتناول الدواء وقواعد الغذاء المطلوبة. واليوم، يزداد روّاد النادي، بحسب المديرة صباح فتوني.