اكتملت عناصر تأمين خروج آمن لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة حكومياً وقضائياً، ويتعامل المعنيون داخل الحكم وخارجه مع سلامة كإمبراطور لا يمكن المساس به.أمس، حضر الحاكم إلى قصر العدل في بيروت تلبية لطلب المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان، للاستماع إليه على خلفية مذكرة التوقيف الفرنسية ووضعه على نشرة الإنتربول الحمراء. ولكن، كما جرت العادة التي يكون فيها القضاء في خدمة الحاكم، تم تحديد موعد «مريح» للجلسة، عند الثالثة بعد الظهر، علماً أن القاضي قبلان يغادر قصر العدل عادة قبل ذلك بكثير، كما أن القصر يقفل أبوابه باكراً منذ فترة طويلة.

(هيثم الموسوي)

وبغرض مزيد من التهشيم لصورة العدالة والقضاء، حظي سلامة بامتيازات خاصة، كإغلاق أبواب قصر العدل، والإبقاء على الموظفين محتجزين في مكاتبهم رغم انتهاء دوامهم، ووقف كل المصاعد، ونشر عناصر من الدرك على المداخل. كما سُمح للحاكم بالدخول من باب خلفي خلافاً لكل المواطنين ضماناً لراحته النفسية. وفي الداخل، استراح سلامة لنحو ساعة في مكتب القاضي قبل أن يغادره مكرماً، بعدما سحب منه جوازيّ سفره اللبناني والفرنسي اللذين لا يحتاجهما أصلاً كونه ملاحقاً من الإنتربول. كما لم يعر قبلان أهمية لمذكرة البحث والتحري بحق الحاكم الصادرة عن القاضية غادة عون، بل اكتفى بإرسال نسخة عن التحقيق إلى الفرنسيين مطالباً باسترداد الملف لمحاكمة سلامة في لبنان. ولكن، وفق المعلومات، من المستبعد جداً أن يستجيب القضاء الفرنسي للطلب اللبناني لأنه سيكون بمثابة قبول لمحاكمته في لبنان. وبالتالي، سيبقى الملف معلقاً حتى إشعار آخر، أو حتى يُعين قاضي التحقيق شربل أبو سمرا موعداً للحاكم لاستجوابه في الملف نفسه الذي يحاكم فيه في فرنسا.
على المقلب الحكومي، يبدو أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تسلّح بعدم وجود نصاب الثلثين في أي جلسة لمجلس الوزراء ليحلّ نفسه من اقتراح طرح إقالة سلامة، وقد مهد له الطريق في ذلك وزير المال يوسف خليل المحسوب على رئيس مجلس النواب نبيه بري. إذ حسم خليل الأمر بإصدار موقف رسمي يعرب فيه عن عدم تأييده الإقالة في هذا الوقت. وعليه، صدر جدول أعمال جلسة الحكومة المقررة غداً خالياً من أي بند حول سلامة، رغم إرسال نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي كتاباً إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء يطلب فيه إدراج بند الإقالة في الجدول، مفنداً الأسباب القانونية والنقدية. وقد تحول كتاب الشامي موضع تشاور بين الوزراء ورئيس الحكومة على تطبيق «واتساب»، من دون أن يتخذ قرار نهائي حول ما إذا كان سيتم التطرق إلى ملف الحاكم من خارج جدول الأعمال. وقالت مصادر مطلعة إن ميقاتي سيتخذ قراره قبيل الدخول إلى الجلسة.
جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء غداً خلا من طلب الشامي إدراج بند إقالة سلامة


الشامي لفت في كتابه إلى «خطورة الشبهات والاتهامات» الموجهة إلى سلامة، و«ارتداداتها السلبية على السياسة النقدية والقطاع المصرفي، وعلى مصداقية الحكومة وكل الأشخاص المولجين بعملية الإصلاح والتفاوض مع المؤسسات الدولية»، ومنهم هو ووزير المال، معتبراً أن ذلك «يضع كل الحكومة في دائرة المساءلة، فضلاً عن ضرره المحتمل على تعامل بنوك المراسلة مع مصرف لبنان وحاكمه». أما في حال رفض التنحي أو الاستقالة، وفقاً لما جاء في كتاب الشامي، فإن «الآراء القانونية تعطي حكومة تصريف الأعمال صلاحية تنحيته أو إقالته تحت عنوان العجلة والضرورة القصوى واستمرارية المرفق العام، لا سيما أن النائب العام التمييزي ادعى على سلامة وأصدر مذكرة حجز على ممتلكاته في الخارج». واستند الشامي إلى المادة 19 من قانون النقد والتسليف التي لا تشترط الإدانة لكي تتم الإقالة، بل يكفي وجود شبهات ومذكرة توقيف دولية، وكذلك إلى المادة 20 التي تؤكد ضرورة عدم جمع الحاكم بين وظيفته وأي وظيفة أخرى أو تلقي أي منفعة في مؤسسة خاصة، فكيف إذا كان هناك تضارب مصالح كما حصل في ملف شركة «فوري»، ما يوجب - بحسب كتاب الشامي - أن «يستخدم مجلس الوزراء صلاحياته الاستثنائية لاتخاذ قرار بحق الحاكم، انطلاقاً من مبدأ الموازاة في الأصول والصيغ، أي أن الجهة التي عينته، هي التي تقيله أو بالأحرى أنه يعين بمرسوم ويقال بمرسوم».