يطالعنا المخرج الإسباني بأسلوبه المعهود، لجهة التلاعب بالزمن، وتوظيف الفلاش باك، وتصوير المشاعر الإنسانيّة بين تأجّج وانهيار. الجديد هو سرد الحكاية بصفة المذكّر. أحدث أفلامه «عناقات محطّمة» حالياً على الشاشات اللبنانيّة
زياد عبدالله
هذه المرّة يقارب بيدرو ألمودوفار حكايته من وجهة نظر رجل، بعدما عوّدنا صاحب «كل شيء عن أمي» على النظر إلى العالم بعيني امرأة. في «عناقات محطّمة»Broken Embraces الذي وصل أخيراً إلى الصالات اللبنانيّة، يحتلّ كاتب سيناريو أعمى يدعى هاري كاين (لويس هومار) مركز الحبكة. في مطلع الشريط، يسرّ إلينا البطل/ الراوي أنّ هاري كاين ليس إلا اسمه المستعار، وقد استعاض به عن اسمه الأصلي ماتيو بلانكو. الشريط بأكمله سيكون رحلة بحث عن قطبة خفيّة في ماضي الرجل، عن تلك الحادثة التي جعلته يغيّر هويّته.
فيلم مأهول بالحواس، نعبره بحثاً عن قطبة خفيّة في ماضي كاتب السيناريو الضرير
نقطة البداية تكون مع هاري، وهو يتحسس جسد شابة ساعدته في عبور الشارع قبل أن يمارس الجنس معها. نتتبع يوميات الرجل المتشابهة مع مديرة أعماله جوديت غارسيا (بلانكا بورتيلو) وابنها دييغو (تامار نوفاس)، وسنكتشف العلاقة الخاصة التي تربط بين هذا الثلاثي. تحضر ألوان ألمودوفار بقوّة، في ذاك الأحمر الذي سرعان ما يطفو كخلفية للأحداث. مع ظهور المخرج الشاب راي إكس، ينقضّ الماضي على هاري، حيث يظهر طيف لينا (بينيلوبي كروز)، وأرنستو (خوسيه لويس غوميز) رب عملها.
نعود إلى الوراء لنكتشف ماتيو بلانكو ــــ أو هاري كاين في حياة سابقة ــــ مخرجاً، يقع في غرام لينا التي جعلها بطلة فيلمه «النساء والحقائب». لينا كانت شابة فقيرة تعمل ضمن شبكة دعارة، اضافة إلى عملها كسكرتيرة. وسرعان ما تتحوّل إلى عشيقة ربّ عملها إرنستو. عبر تصوير «النساء والحقائب»، ندخل في ما يشبه «السينما داخل السينما»، وخصوصاً مع الإحالة إلى مشهد كامل من شريط ألمودوفار «نساء على حافة الانهيار العصبي». يبدو «عناقات محطّمة» استعادة لتأثيرات ألمودوفار السينمائيّة الكثيرة من أنطونيوني إلى هيتشكوك ولويس بونويل وودي ألن.
في الخلاصة، يقفل مثلث الحب والخيانة والجنس على هرب العاشقين ماتيو ولينا، واتخاذ ماتيو لاسمه المستعار هاري. هنا، ننتبع استخدام إرنستو لكامل نفوذه لمطاردة لينا وتعنيفها، من خلال رميها عن الدرج مثلاً، إضافةً إلى سعيه المستميت لإعدام شريط ماتيو. في النهاية، تموت لينا في حادث سير، ويفقد ماتيو بصره في الحادث نفسه. راي إكس، وهو الابن المثلي لإرنستو من زواج أوّل، يكون الشاهد بكاميراه على كلّ ذلك، يوثّقه بهوس عجيب. وثائق تتحوّل إلى وسيلة لتصالح هاري/ ماتيو مع ماضيه. كل ما تقدّم سيكون مأهولاً بالحواس. إنه عالم ألمودوفار الذي يمضي متعقباً ما تمليه الشهوة والحب. يواصل صاحب «تكلّم معها» رهانه على الميلودراما والتنويع في الزمن والفلاش باك. الاستجابة دائماً ستكون للحواس التي تحتلها امرأة، بحيث ترسم المصائر وفق رغبة الحصول عليها واستبقائها مهما كلّف الثمن. إنّه قاموس ألمودوفار الذي تخرج منه أولئك النساء الوحيدات، والعاشقات، والمأخوذات تماماً بانزياحات القدر وجنوحه.

Broken Embraces «أمبير دون» (01/792123)؛ «سينما سيتي» (01/899993)؛ «بلانيت أبراج» (01/292192).