عربيّة و«محتشمة» وتصغي إلى أعماقهابروكسيل ــــ وسيم ابراهيم
من شبّاك بيت عائلتها المهاجرة، كانت نصيرة بلعزة تُطل لترى فرنسا. في ذلك البيت أقامت مع جزائر الستينيات التي حملتها العائلة معها. منذ عشرين سنة وهي تقدم رقصها المعاصر، محاولة إيجاد جسدها في تلك الإقامة المزدوجة. حين أجرى صحافي من جريدة «لو موند» حواراً معها، سألها «هل تعلمين أنّه ليس على الموضة أن تكوني مؤمنة الآن؟»، فردّت: «ومن قال لك إني أريد أن أكون على الموضة؟». يومها، عنونت «لوموند» المقال: «راقصة ومسلمة!». يُزعج الفنانة أن تُحصر تجربتها في حدود هذه المفارقة وتضخيمها. تقول إنّ الرقص كان «ضرورةً مطلقة»، مارسته وكانت لا تزال طالبةً في الثانوية. لاحقاً، درست الأدب المعاصر، ثم احترفت الرقص. منذ البداية، كان لديها حدس بأنّ هناك مكاناً للمصالحة بين إسلامها ورقصها المعاصر.
في 1989، أسّست فرقتها للرقص المعاصر وانتظرت أربع سنوات لتقدم عرضها الأول «لكل واحد خرافته». حين صعدت إلى الخشبة لأول مرة، انتابها «قلق داخلي قوي». لم يغب عنها أنّها مسلمة تستخدم جسدها أمام الجمهور، ولم تكن تريد الإحساس بأنّها تنتقل من مكان إلى آخر. اليوم، لم تعد بلعزة تتساءل أين يمكن لبحثها الجسدي ودينها أن يتصالحا، بعدما صار في رصيدها تسعة عروض. تقول إنّ هذه المصالحة صارت ناجزة، وتسخر من أنّ الغرب وصحافته وإعلامه سيكونون «سعداء» لو قالت إنّها عربية مسلمة يمنعها دينها من الرقص. تعرف أيضاً أنّ حديثها عن المصالحة أقل إثارة وتشويقاً لهم، وأنّهم لا يكترثون لقولها «إيماني ساعدني كي أجد الطريق إلى جسدي».
تكتب العرض كأنّه نصّ أدواته الإضاءة والحركة والسينوغرافيا
عندما قدّمت «صرخة»، أحدث أعمالها الراقصة («الأخبار»، 28/ 4/ 2009)، في مركز «سكاربيك» في بروكسل، غصّ المكان بالجمهور... فهل لذلك علاقة بما كُتب عن أنها «تقدمّ رقصاً معاصراً بجسد محتشم»؟ يهمّ نصيرة التركيز على هذا الجانب، باعتباره مؤسساً لتجربتها. لم تكن تركِّز في تصاميمها على بنية الجسد، وتشريحه وتفاصيله، بل على ما يعتمل داخله. الاحتشام ليس عنصراً تستهدفه بحد ذاته. إنّه جزء من حياتها. ولذلك، طبيعي أن يجد مكاناً له في رقصها. أكثر من ذلك، تقول إنّ من طبيعتنا ألّا تقال الأشياء بصراحة ومباشرة. الجسد بدوره قائم على نوع من الانطواء. وهي تريد مقاربة هذه الحالة الداخلية، باحثة لجسدها عن حرية «حقيقيّة». تكرر الكلمة الأخيرة، وتشرح أنّ شغفها بالأدب والشعر جعلها تكتب عروضها كما لو أنّها نص أدواته الإضاءة والحركة والسينوغرافيا. دراستها الجانبية للفنون السمعية/ البصرية، تتسرب إلى عروضها أيضاً.
بالنسبة إلى نصيرة، كل ثقافة، مهما كانت طبيعتها، يمكنها إنجاز رقصها المعاصر. لا يمكن تقليد نماذج غربية «لأننا عندها سنقدم رقصاً سطحياً». يأخذها ذلك إلى الحديث عن ورشات عمل أقامتها في الجزائر ومصر. هناك، آلمها رؤية فتيات يرقصن في أماكن مغلقة، مرتديات كولون الرقص، ثم يخرجن محجبات ويذهبن إلى الصلاة. تعرف أنّ الرقص في هذه الحالة يظل جانباً مفصولاً عن الحياة.
ترقص بلعزة ابنة الأربعين مع أختها دليلة. في بروكسل، خطفتا أنفاس الجمهور. تؤكد نصيرة: «خطابي هو أولاً خطاب فني. نعم أنا مؤمنة. نعم أنا عربية. لكن أعمالي ذات بعد إنساني ووجودي تتجاوز كل الاعتبارات الأخرى».