كان محمود شقير (1941) قد دوّن تاريخ بدو فلسطين مطلع القرن العشرين حتى نهاية الحرب العالمية الثانية في روايته «فرس العائلة». وها هو في روايته «مديح لنساء العائلة» (دار نوفل) يستكمل تدوين وقائع ما حدث لعشيرة العبد اللات ما بعد النكبة إلى الثمانينيات، كأن الراوي يجلس في مضافة، مستعيداً سيرة العائلة في تشظيها بين جغرافيات متباعدة كمحصلة للاحتلال الإسرائيلي للبلاد. «محمد الأصغر» الذي يستأثر بدور الراوي في معظم فصول الرواية تلبية لرغبة الأب في جمع شتات العائلة وتدوين سيرتها، يهجر العمل في المحكمة الشرعية، ويتزوج سناء المطلّقة ليعمل في فرقة مسرحية ثم مدقّقاً لغوياً في صحيفة. وهو بذلك يخلخل قيماً بدوية راسخة، إيذاناً باقتحام قيم الحداثة منطقة «رأس النبع» في محيط مدينة القدس، لجهة الأزياء والأعراف والعلاقات، فيما تشاركه السرد أمه وشقيقاه عبر الرسائل أو الاعترافات، أو الذكريات، بعد أن تتوزعهم الجهات من بيروت إلى الكويت وصولاً إلى البرازيل. بالتوازي مع ما هو عائلي، كان محمد الأصغر يسجّل في دفتر صغير تفاصيل ما تبوح به النساء الراغبات في الطلاق من أزواجهن خلال عمله كاتباً في المحكمة الشرعية. وإذا به يكتشف حجم الضيم الذي يثقل أرواح النساء في مجتمع أبوي صارم: «كنت أربط بين ظلم النساء وضياع البلاد، وأقول لبعض الأصدقاء: لن نتمكّن من تحرير البلاد ما دمنا نظلم النساء» يقول. هكذا تتكشّف مدينة القدس كأنثى أخرى مضطهدة من قبل سلطة الاحتلال في تحولاتها من الألفة إلى العنف.
يمزج محمود شقير التاريخ بالسوسيولوجيا كما لو كان حكواتياً شعبياً لجهة اللغة المبسّطة مكتفياً ببلاغة المعنى على حساب ما هو جمالي، أو ما يمكن أن نسميه تدوين الشفوي بأقل طبقات التدوين بلاغةً، تبعاً للوعي المعرفي للشخصيات. تنطوي هذه السرديات المتجاورة أفقياً على مخزون من الألم والأوجاع التي خلّفها الاحتلال، وستكون مهمة الراوي عسيرة في تشبيك خيوط عائلة مؤلفة من 18 ولداً وتسع بنات.
«مديح لنساء العائلة» ــ دار نوفل