في «السفلة المجهولون»، عنف وخيال وحريّة في إسقاط الفانتازيا على التاريخ، ومعها... براد بيت سيداً لشبّاك التذاكر
محمد رضا
تعدّدت الروايات بشأن موت هتلر. منهم من قال إنّه أشعل النار في مخدعه، ومنهم من قال إنّه أطلق الرصاص على نفسه. بعضهم، بقي يعتقد لسنوات أنّ الـ«فوهرر» هرب من ملجئه بعدما قتل عشيقته إيفا براون وعدداً من أعوانه. المهم أنّ قوّات الحلفاء بحثت عنه طويلاً ولم تجده... هل مات في ملجأ آخر إذاً؟ في Inglourious Basterds، يطرح كوينتن تارانتينو نظريّة أخرى: هتلر وحاشيته مع 200 ضابط نازي ماتوا في حريق في صالة سينما باريسية قبل تحرير فرنسا من الاحتلال الألماني!
في تلك الليلة، وبحسب رواية تارانتينو الفانتازيّة للتاريخ، وضع الحلفاء ثلاث خطط منفصلة للقضاء على عدوهم. تولت الخطَّة الأولى مجموعة بريطانيين، اجتمع أركانها في حانة فرنسية خارج باريس لدراسة تفاصيل الهجوم، فإذا بالمكان يضم عدداً من الجنود الألمان الذين يكتشفون هوية المجتمعين. من جهتها، تولت صاحبة الصالة التي يختبئ فيها هتلر، الخطّة الثانية. إنّها شابة يهودية الأصل، والناجية الوحيدة من أفراد عائلة قتلها الضابط الألماني، هانز لاندا، الملقّب بـ«صائد اليهود». أمّا الخطّة الثالثة، فأميركيّة، تقودها ثلَّة من المجنّدين الأميركيين اليهود بقيادة ضابط مسيحي. أُنزلت هذه الفرقة خلف الخطوط النازية في فرنسا، لتتعقّب النازيّين. في بداية المهمة، يخطب الملازم ألتو راين (براد بيت) بجنوده، ويذكّرهم بما فعله النازيون باليهود ويطلب من كلّ واحد منهم أن يقتل 100 نازي. يخبرنا تارانتينو، أنّ هتلر مات في تلك الليلة، بعدما قايض لاندا رأس الـ«فوهرر» بضمانات من الحلفاء بحصوله على مستقبل آمن في أميركا.
في «السفلة المجهولون»، يلوي تارانتينو ذراع التاريخ لكن بطريقة مكشوفة. الشريط فانتازيا تستوحي من الواقع خيوطاً تربط الحكاية بحقائق ما. لا تتحدّث القصّة المشبعة بالعنف، عن

المحرقة خلفيّة لقصّة فيلم ترفيهي جيّد

فواجع يهودية ولا عن معسكرات تعذيب. صحيح أنّ اليهود عنصر رئيسي في الشريط، لكنّ المحرقة واليهود يتحوّلون هنا إلى وسيلة بيد صاحب Kill Bill لصناعة السينما التي يحبّ. يتحوّل المجندون الأميركيون اليهود إلى وحوش بشريّة، تريد أن تسلخ فروات رؤوس الألمان. أمّا قائدهم، فيبدو شخصية خالية من أي قيمة، وبالتالي لا تظهر «أميركا» بوجهها البطولي. الفيلم لا يتحدث أساساً عن بطولة هذا الفريق أو ذاك، فليس كلّ الألمان بشعين وأشراراً! كل شخصية في الشريط، باستثناء الأميركية منها (وحده تارانتينو يعرف السبب)، لها عمقها ودلالاتها ومؤدّاة بصدق.
العمل دراما في زمن الحرب مع لمسة جاسوسية وقصّة حبّ (ولو من طرف واحد)، والكثير من الخيال، ومعها جرعة إضافيّة من الحرية في تصريف أفعال التاريخ. هذه حريّة لا تقيّد المخرج، ولا المشاهد. كلاهما يعرف أنَّ الفيلم المعروض فانتازيا، بطلها المطلق هو الحوار، كما في جميع أفلام تارانتينو. يمثّل الحوار جزءاً من الحدث ومن الدراما. يختزن المخرج في عباراته، الكثير من العناصر المكوّنة للشخصيات، يوظفها خلال التصوير والمونتاج لبناء تشويقي متقن.
الهولوكوست حاضر إذاً في خلفيّة القصّة. كما في العقود الخمسة الماضية، كانت معظم الأفلام التي تناولت المحرقة، متساويةً في دعاياتها المنمّطة لليهودي (الضحيّة) والألماني (الشرير). ثمّ شهدنا قراءات بعيدة عن التنميط، مع رومان بولانسكي في «عازف البيانو» (2002)، و«القارئ» (2008) لستيفن دولدري. أمّا فيلم تارانتينو، فلا يهمّه من كل قصة المحرقة، سوى رصف قصّة قادرة على صناعة فيلم ترفيهي جيّد. في طريقه لتحقيق ذلك، نراه يوجه تحيّات إلى شخصيات سينمائية كثيرة: من الإيطالي سيرجيو ليوني إلى الألمانية ليني رايفنشتول ومواطنها الممثل إميل جنينغز.


«أمبير صوفيل» (01/204080)، «سينما سيتي» (01/899993)، «أمبير غالاكسي» (01/544051)، «غراند لاس ساليناس» (06/540970)، «غراند سينما ABC» (01/209109)، «غراند كونكورد» (01/343143)