ملاحظات نقديّة على الشريط في مناسبة العروض اللبنانيةمحمد رضا
الساحر الصغير الذي دغدغت مغامراته مخيِّلة عصر السرعة، عاد إلى الصالات. كبر هاري بوتر قليلاً، وبدأ لغز حياته ــــ كما خلقتها الكاتبة البريطانية جي كي رولينغ ــــ يتكشّف. الهجمة الكبرى على «هاري بوتر والأمير الهجين» Harry Potter and the Half-Blood Prince، جعلت الفيلم يحقِّق رقماً قياسياً في شباك التذاكر في الولايات المتحدة، إذ بلغت مداخيله 200 مليون دولار خلال الأسبوع الأول للعرض... لينحسر الإقبال بنسبة 55 في المئة خلال الأسابيع اللاحقة. لكنّ الجزء السادس من السلسلة الفانتازيّة يبقى أكثرها مدعاة للملل، إذ تجده يراوح مكانه في أغلب الأوقات.

معالجة مسرحية ــــ تلفزيونيّة، تغيب عنها سلاسة السرد السينمائي وتماسكه
بعد مشهد تمهيدي تنهال فيه شهب السحر الأسود الداكنة على أرصفة لندن وأبنيتها، وعلى العابرين فوق أحد جسور التايمز، ندخل مقهىً في محطّة قطار تحت الأرض. هناك، يجلس هاري (دانيال ردكليف) وحيداً، يتصفَّح جريدة قديمة، ثمّ يواعد النادلة السمراء على لقاء بعد نهاية دوامها. يظهر اللورد ألبوس دومبلدور (مايكل غامبون) على الجهة المقابلة، فيوافيه تلميذه. يمدُّ العجوز الملتحي يده للمراهق، ويأخذه في قفزة زمنيّة إلى مكان آخر. هكذا نكتشف مهمّة هاري بوتر الجديدة: عليه أن يكسب ثقة البروفيسور هوراس سلوغم (جيم برودبنت) ــــ أستاذ الجرعات الجديد في مدرسة «هوغوارتس» ــــ بغية التسلُّل إلى ذاكرته ومعرفة سرّ حديث مصيري دار بينه وبين توم ريدل، الشاب الذي سيصبح لاحقاً اللورد فولدمورت، أعظم ساحر أسود في العالم وقاتل والدي هاري. بعد انقضاء نصف الفيلم تقريباً، يقرر بوتر أنّ الوقت حان ليشرب «ترياق الحظ»، وهو جرعة سحريّة أعدّها حسب تعليمات في كتاب مدرسي يحمل توقيع «الأمير الهجين». هكذا، ينجح في الدخول إلى تلك الذاكرة، والحصول على اللقطة اللازمة التي يحفظها دومبلدور في قوارير صغيرة كتلك التي شاهدناها في مختبرات أفلام فرانكنشتاين. بطريقته السحريّة، يجعلنا الساحر العجوز نشاهد داخل ماءٍ معدٍّ لهذا الغرض، ما دار بين البروفيسور الطيِّب والطالب الشرير: لقد أطلعه على أسرار السرمديّةفي المقابل، يتابع الفيلم بلوغ هاري وصديقيه هرمايوني (إيما واتسون) ورون (روبرت غرينت) سنَّ المراهقة. هنا يتحوّل الفيلم إلى علاقات الحبّ: هرمايوني تحب رون، ورون يقع في فخّ فتاة أخرى، فيما يقع هاري نفسه في حب جيني شقيقة رون (بوني رايت)، وهكذا دواليك.. إلى يستدرك السيناريو أن هناك سبباً آخر لإنتاج الفيلم غير تلك القصص المسطّحة التي تفتقر إلى كثافة في المشاعر وتشكو من التنميط.
المشكلة في سيناريو ستيف كلوفس، انتقلت إلى مشكلة أخرى مع المخرج دايفيد ياتس الذي يدير فريق العمل للمرّة الثانية بعد إخراجه الجزء الخامس «هاري بوتر وطائفة العنقاء». تضاف إلى هذا كلّه مشكلة الأداء. أين هي الأزمة على وجه هاري، حين يدرك أنّ معركته مع فولدرمورت باتت وشيكة وعليه الاستعداد لها؟ لماذا يزداد تمثيل روبرت غرينت بلاهة في أدائه شخصيّة رون؟ ولماذا تُقلّص شخصية هرمايوني إلى مجرد حركات خالية من الروح (رغم قدرة إيما واتسون على العطاء في الحيز الممنوح لها)؟
يحمل الفيلم معالجة مسرحية ــــ تلفزيونيّة، يرتاح إليها المخرج بعد خبرته الطويلة في هذا المجال، مع غياب فعلي لسلاسة السرد السينمائي وتماسكه. من ناحية السيناريو، نراه يراكم كل ما ورد في كتاب جي كي رولينغ، كأنّ ذلك واجب أو تحصيل حاصل، ما ترك الأحداث مبتورة في العديد من المشاهد.
من جهة ثانية، جاء تصميم المشاهد لدى ياتس مبدئياً على طول الخط. لك أن تتصوّر ماذا ستكون النتيجة لو أنه، بتلك الديكورات القديمة للقلعة التي تقع فيها الأحداث، أنجز فيلماً مقتبساً عن «الملك لير» أو «ماكبث». يتأخَّر الفيلم عن الأجزاء السابقة، باستثناء المشهد الذي يقف فيه هاري بوتر ودمبلدور أمام صخرة عجائبية وسط المحيط ثمّ يدخلانها، ليواجها أشباهاً آدمية، كادت تسحب الساحر الشاب إلى القعر. هنا يتدخّل معلّمه وينقذه عبر فتح طريق ناري، هو أحد أجمل مشاهد الخدع البصريّة في الأجزاء الستّة. خارج هذا المشهد، لا تتجاوز الموثرات مطلقاً ما استُحدث سابقاً.
لكنّ هذا الشريط، يضعنا أمام تطورات خطيرة على صعيد الحبكة، إذ تتكشّف تدريجاً أسرار السحر الأسود، وتبتعد الحلول عن الإغراق في النهايات الورديّة. تقف الشخصيات وجهاً لوجه مع الموت والفقد، وتأخذ تحدياتها منحىً أكثر غرائبيّة. لكنّ النهاية خارج الفجيعة الكبرى التي تُمنى بها مدرسة السحر في «هوغوارتس». يقف هاري على سطح المدرسة وإلى جانبه هرمايوني، وخلفهما سماء رمادية. نهر عريض وجبال بعيدة تبدو مسكونةً ككل شيء آخر في هذا المكان. يقول هاري لهرمايوني: «لم أكن أعتقد أن هذا المكان مسالم إلى هذه الدرجة»! هكذا، تبقى جميع الأزمات معلّقة في انتظار الجزء السابع الذي انطلق تصويره في شباط (فبراير) الماضي، على أن يعرض في خريف 2010.


«سينما سيتي» (01/899993 )، «اسباس» (09/212516 )، «أمبير غالاكسي» ( 01/544051)، «لاس ساليناس» ( 06/540970)، «غراند سينما ABC» (209109 /01 )، «غراند كونكورد» ( 01/343143)