باكينام رفعت
لعلّ فيلم ماهر صبري «طول عمري» (الجمعية المصرية للأفلام المهمشة ـــــ 2008) هو أوّل شريط في تاريخ السينما المصريّة الذي يقارب حياة المثليين مقاربة واقعية. الفيلم الذي عرضه الناشط والمخرج المصري في مهرجان «سان فرانسيسكو» العام الماضي، تعرّض لحملات كثيرة، أبرزها الحملة التي شنّها عليه مفتي مصر السابق نصر فريد واصل الذي دعا إلى «حرقه»، ومدير برنامج الايدز في مصر زين العابدين الذي اتّهمه بأنّه «ضربة موجعة لكل الجهود التى نبذلها لمكافحة فيروس الايدز» (!).
يتناول الشريط قصّة الشاب رامي الذي يهجره حبيبه منصاعاً لرغبة أهله ومجتمعه في الزواج. ينخرط رامي في مغامرات وعلاقات جنسية عابرة بحثاً عن علاج للنسيان، فيُدخلنا إلى العالم السفلي والسرّي للمثليين في القاهرة. هكذا يُلقي المخرج الضوء على المشاكل التي تواجه هؤلاء، في ظلّ التمييز الاجتماعي والاضطهاد الذي يمارس في حقّهم. وقد استوحى ماهر صبري قصّته من الحملات التعسفية التي شُنّت على المثليين في مصر، وقد شهدت ازدياداً تصاعديّاً منذ عقد ونيّف. ما زلنا نذكر حملة الـ«كوين بوت» الشهيرة حين ألقت الشرطة المصرية القبض علی ٥٢ من رواد هذا الملهى، واقتيدوا إلى محاكم أمن الدولة بتهمة «المثليّة» والفجور.
وعلى رغم أنّ السينما المصرية قدّمت شخصيات مثلية عدة، إلا إنّ معظمها كانت شخصيات كوميدية وأداةً لإضحاك الجماهير. وقد قُدمت المثلية بشكل جاد عبر شخصيات ثانوية صغيرة في بعض الأفلام المصرية مثل «حمام الملاطيلي» (1973) لصلاح أبو سيف، أو «إسكندرية... ليه؟» (1978) ليوسف شاهين، أو «شحاذون ونُبلاء» (1991) لأسماء البكري (عن رواية ألبير قصيري)، أو «مرسيدس» (1993) ليسري نصر الله، أو «عمارة يعقوبيان» (2007) لمروان حامد.
«طول عمري» يمثّل منعطفاً ربّما في نقل صورة المثلي إلى الشاشة الكبيرة، إذ إنّه يغوص في حكاية المثليّين في مجتمع محافظ، ويقدّمها مباشرةً... على رغم صعوبة مقاربة مواضيع مماثلة، مع تزايد الموجة المتشدّدة في مصر والعالم العربي خلال السنوات الأخيرة. مثلاً، هل ننسى أن ربع أعضاء مجلس الشعب المصري وقّعوا، لدى إطلاق «عمارة يعقوبيان»، على بيان يطالبون فيه بحذف مشاهد الشخصيّة المثلية، علماً بأن الطريقة التي قدّم بها مروان حامد هذه الشخصية في الفيلم المذكور قبل عامين، تبدو شديدة التحفّظ، ومتراجعة بأشواط عن الجرأة التي تحلّى بها أبو سيف في «حمام الملاطيلي» خلال السبعينيات.
وعلى رغم أنّ «طول عمري» الذي صُوِّر بين القاهرة وسان فرانسيسكو لم يُعرض في مصر ولا في أي بلد عربي، إلا أنّه خطوة أولى على طريق كسر التابوهات والمحرمات، سواء كانت جنسية أو اجتماعية أو سياسية.