عن عمر ناهز 91 عاماً، غيّب الموت الشاعر الإيراني حميد سبزواري (الصورة) يوم السبت في طهران. حميد سبزواري واسمه الحقيقي حسين ممتحني، صاحب موقع فريد داخل المشهد الشعري الإيراني، إذ يعدّ من كبار الشعراء الثوريين الذين عبروا عن مواقفهم السياسية والاجتماعية عبر الأشكال الشعرية التقليدية من دون أن يخلو منجزه الشعري من قصائد تنتمي إلى الشعر الحديث. ومع أن مساره الشعري يبدأ من السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، إلا أن شهرته في المشهد الشعري الإيراني تقترن بالثورة الإسلامية، فهو الأكثر جدارة بلقب شاعر الثورة الإسلامية. قصيدته «خميني أيها الإمام» كانت بمثابة النشيد الوطني الأول الذي ردده الإيرانيون مع انطلاق الثورة الشعبية التي أطاحت بمحمد رضا شاه في عام 1979.في كتابه الشعري الأول «صراخ نامه» الذي أصدره وكان دون العشرين من عمره، حضرت النزعة الاحتجاجية بصورة جلية، وان كانت مكبلة بالبعد الاجتماعي ومكتظة بالكناية والاستعارات للتنديد بالاستبداد وقمع الحريات. إلا أن سبزواري سرعان ما فتح مساراً آخر للتعبير عن مناهضته للنظام الشاهنشاهي من خلال القصائد المذهبية وتمجيد الشخصيات الثورية التاريخية مثل الحسين بن علي وأصحابه.
«ما دام الصبح يطل والسَحر يتبرعم/ تطلّ شمس محياه على الكون». في موازاة القصيدة، خاض سبزواري تجربة العمل السياسي. بعد فترة قصيرة من انتقاله إلى طهران وتوظيفه في وزارة التربية والتعليم، سيكون أحد المطاردين من قبل جهاز الأمن الإيراني «الساواك» في الفترة التي شهدت خنق الحريات اثر الانقلاب على رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطياً محمد مصدق في عام 1953 وسيختفي لفترة من الزمن في بلدة «اسفراين». وبعد استتباب الأوضاع، سيسلم نفسه الى السلطات في مسقط رأسه في سبزوار وسيفرج عنه بعد اعتقال وجيز. لم يخف سبزواري ميوله اليسارية في هذه المرحلة من حياته، لكنه نفى انتماءه لحزب «توده» الشيوعي. وقد انضم بعد هذه التجربة من العمل السياسي إلى مركز نشر الحقائق الاسلامية بالتعاون مع محمد تقي شريعتي والد المفكر الايراني المعروف علي شريعتي.
دأب سبزواري على الحضور والمشاركة في المحافل الشعرية في مدينتي سبزوار ومشهد شرق البلاد. وبعدما مارس العديد من المهن، استقر في وظيفة إدارية في بنك التجارة الإيرانية، وسطع نجمه مع قصيدة «خميني أيها الإمام» التي ألفها أثناء انتقال زعيم الثورة الإيرانية من بغداد الى باريس، وتحولت إلى نشيد رددته الجماهير الإيرانية في استقبالها التاريخي للخميني في مطار مهرآباد في طهران. وعن هذه القصيدة التاريخية، يقول سبزواري إنه تم تسجيلها للمرة الأولى في منزل أحد أصدقائه بالقرب من قصر الشاه في طهران المعروف في قصر سعد آباد بعدما هرب الشاه من البلاد.
ولكن الأعمق في مسيرة سبزواري الشعرية هو ضخ نفس ثوري في القصيدة الكلاسيكية والأشكال الشعرية التقليدية، كما أغنى الشعر الثوري بتأملات ورؤى انسانية يمكنها أن تعبر عن الانسان خارج السياق الجغرافي: «أنا غصن جاف، لا تسلني عن الربيع والخريف
ميت أنا، لا تسلني عن الصباح والغروب/ حكواتي غربة الانسان أنا، عن ألم الاضطرار لا تسل».
في مجمل قصائده عن الثورة وفترة «الدفاع المقدس»، وهي التسمية التي يطلقها الإيرانيون على السنوات الثماني للحرب العراقية الايرانية، لا مكانة للأمجاد التاريخية ولا الحماس القومي في قصيدة سبزواري. العدالة والحرية وكرامة الإنسان وقيم الحرية هي ما تنزع إليه قصائده. وهي تتقارب في هذه السمة مع جيل من الشعراء الثوريين الإيرانيين المعاصرين للثورة الدستورية ممن اتسمت قصائدهم بالثورية الرومانسية، مثل أيرج ميرزا جلال الممالك (1847-1926) وعارف قزويني (1838-1929) وميرزادة عشقي (1893-1924). إلا أن الارتباط الوثيق بين قصيدة سبزواري ويوميات الثورة الإسلامية، وإعجاب كبار القادة الإيرانين بقصائده، وتتويجه بالعديد من الجوائز المرموقة، جعله خارج تصنيف الانتجلنسيا الحداثية الايرانية، رغم أنها احتفت بشعراء أقل موهبة من سبزواري، وكانت لهم بدورهم انتماءات ايديولوجية لكنها «لادينية». في أغلب قصائده الثورية وكذلك خارج سياق القصيدة الثورية، ثمة حضور قوي للنزعة الصوفية: «لقد هشمتُ عظامي، في غنى عن التحنيط أنا/ تهت في ذاتي، لا تسلني عن شاهدة قبري».