«مسكون» هو المهرجان الأول لأفلام الرعب والفانتازيا والخيال العلمي والتشويق في لبنان والعالم العربي ككل. برنامج المهرجان الذي ينطلق اليوم، يضم مختارات من أفلام الرعب والخيال العلمي حول العالم ، من السينما السويسرية إلى الإيرانية وبعض أفلام الرعب الكلاسيكية العالمية. وباستثناء عدد من أفلام الرعب القصيرة اللبنانية أو العربية التي هي أفلام طلابية بغالبها، فإنّ أفلام الرعب العربية غائبة عن المهرجان. إنتاجات أفلام الرعب والخيال العلمي الروائية الطويلة في العالم العربي هي متواضعة بلا شك. لكن لا يخلو الأمر من بعض المحاولات بغض النظر عن مدى نجاحها، نذكر منها في السينما المصرية فيلم «ويجا» (٢٠٠٥) لخالد يوسف أو «وردة» (٢٠١٤) لهادي الباجوري أو فيلم التشويق «من ٣٠ سنة» لعمرو عرفة أو أيضاً «قدرات غير عادية» لداوود عبد السيد الذي يمكن تصنيفه جزئياً ضمن الخيال العلمي. أما عن أفلام الرعب في تاريخ السينما العربية، فمن أقدمها «سفير جهنم» (١٩٤٥)، كما شهدت فترة الثمانينات في السينما المصرية، تركيزاً على أفلام الرعب وعالم الجن بشكل خاص. افتتح هذه الموجة فيلم «الإنس والجن» من بطولة عادل إمام و يسرا. قد تكون من إحدى مشاكل صناعة أفلام الرعب في تاريخ السينما العربية هي الأحكام الأخلاقية أو الدينية المسقطة على مفهوم الشر ووجوب محاكمته في النهاية، مما يتناقض مع مبدأ فيلم الرعب أساساً وهو تمجيد الشر، وإعطائه البطولة المطلقة. فيلم الفانتازيا الكوميدي «رجل الجيش السويسري» لدان كوان ودانيال شينرت الذي يفتتح به المهرجان. يصور العمل علاقة حب غريبة وطريفة تنِشأ بين رجل و جثة. البطل الذي يفكر بالإنتحار، يلتقي بجثة رجل غريب في الغابة تجعله يعدل عن مخططه. تقوده الجثة «الموت» نحو الحياة مجدداً. الجثة كما يصورها الفيلم تخرج عن دورها الوظيفي كجثة، لتؤدي وظائف أخرى، فتارة تتحول إلى نافورة، وينهمر الماء من فمها ليشرب البطل، أو في مقاطع أخرى إلى أداة يحارب من خلالها حيوانات الغابة، والأعداء الوهميين في رأسه . الرعب الحقيقي الذي يطرحه الفيلم هو تحطيم الرعب المحيط بكيان الجثة أو مفهوم الموت، وأيضاً القدسية المرتبطة به، أو القواعد الأخرى التي يخضع لها الجسد الحي بحس سخريته الفج، حيث يحاكي الكوميديا السوداء مثل وظائف الجسد الوضيعة المحتقرة عادة كإطلاق الغازات التي تمارسها الجثة لدى اكتشافها بسعادة بالغة دون أن تفهم سبب احتقار هذه الوظيفة الإعتيادية وضرورة التستر على ممارستها. أو تعود الجثة تدريجاً إلى الحياة بعد أن يقع نظرها على مجلة إباحية تثيرها، ويلعب دور العضو الجنسي المستثار للجثة دور البوصلة التي تقود الشاب للخروج من الغابة. العلاقة التي تنِشأ بين الجثة والبطل، تتحول تدريجياً من علاقة صداقة إلى علاقة تماهي، فتغرم الجثة بحبيبة البطل، ويمثل البطل دور حبيبته كي يحرك مشاعر الجثة، فتستفيق أكثر وتنقذه من الغابة. من خلال لعبة تبادل الأدوار، يجد الإثنان نفسهما في علاقة حب مثلية، قادها إليهما اللا وعي إلى أن يخرجا من الغابة ومن عالمهما المتخيل لمواجهة العالم الحقيقي وحبيبتهما السرية التي لا تعرف بوجودهما. تأتي اللقطة الأخيرة الرائعة للجثة التي تبدأ بإطلاق الغازات ثم تبحر كما المركب في البحر كمثال على العالم الغريب والساخر المذهل للمخرج. ومن تركيا يعرض فيلم «باسكن» لكان إفرينول ويصوّر رجال شرطة يدخلون افتراضياً إلى الجحيم . أما فيلم «الشمس العمياء» للمخرجة اليونانية من أصل لبنان جويس نشواتي، فيصور في المستقبل القريب تصاعد درجة العنف والهذيان الذي يصيب الشخصيات إثر ارتفاع درجة الحرارة في منتج بحري في اليونان. ومن إيران، يعرض فيلم «تحت الظلال» (2016) للمخرج الإيراني باباك أنفاري، فيصور قصة أم و ابنتها ملاحقتين من قبل قوى شريرة غامضة في طهران الثمانينات ما بعد الثورة، تماهياً مع رعب تلك الحقبة. ينتقل الرعب إلى مدينة مومباي في Raman Raghav 2.0 للمخرج الهندي أنوراغ كاشياب الذي يصور قاتلاً متسلسلاً يقلد قاتلاً متسلسلاً من ستينات القرن الماضي. وعلى جزيرة نائية، يخضع الفتيان لعمليات صحية غامضة ومخيفة في فيلم «تطور» للمخرجة لوسيل هادزيهاليلوفيتش. أما بالنسبة إلى الأفلام العربية واللبنانية، فتتضمن فيلم «عودة ليلى من الذئب»‬ لرجا طويل ، الذي يصور فتاة مستذئبة يعثر عليها جدها بعد زمن. وقصة ليلى والذئب الرمزية في الفيلم تتماهي مع رعب آخر يتناوله الشريط بطريقة مستترة وهو سفاح القربى والجد المغتصب الذي يبدو أنه هو الذئب الفعلي. أما «أنقاض» لروي عريضة، فيصور مقاتلاً في الحرب الأهلية اللبنانية هاجر إلى باريس حيث يقتل الفتيات من دون سبب واضح سوى تذوق الدم وشمّ رائحته. وبالرغم من أن الفيلم له جماليته من ناحية السيناريو والإخراج والحوار، إلا أن نقطة انطلاقه ومبررات القتل التي يعرضها المخرج غير متماسكة. من الأفلام الجيدة «ثلاثة و ثلاثون» لحسين ابراهيم الذي تدور أحداثه في الأردن، عن قصة مجموعة من الشباب ترافقهم إمرأة يهربون إلى الصحراء من الشرطة التي تلاحقهم. هنالك تتنازعهم الشكوك حول دوافع بعضهم بعضاً، و ينتهي بهم الأمر إلى قتل بعضهم بعضاً. أحد أجمل الأفلام المعروضة ضمن فئة الخيال العلمي فيلم المخرجة الفلسطينية لاريسا صنصور «نايشن استايت» الذي يصور في المستقبل، مبنى ضخماً بات هو دولة فلسطين داخله على شكل مجسمات، مقسمة مدنها إلى طوابق. أيضاً من قطر ، يعرض فيلم I لعلي الأنصاري الذي لا ينجو من الكليشيهات في تكريسه لمفهوم الخير و الشر، والمبالغة في الشرح. في أغلبيتها، لا تنجح الأفلام العربية المعروضة مع اختلاف مستوياتها في تبني نمط فيلم الرعب. قد يكون نقص عنصر التشويق هو المشكلة الأساسي، لكنها أيضاً تعكس بدايات جيدة ومشجعة لمقاربة هذا النمط السينمائي الغائب جزئياً عن السينما العربية.