«رجال أرض النار» (عنوان مؤقت) هو العرض الجديد لعلي شحرور، الذي ستعرض مقاطع منه مساء اليوم في «مسرح بيريت» (الجامعة اليسوعية). بعد «فاطمة» (2014) و«موت ليلى» (2015) يختتم الراقص والكوريغراف اللبناني (1989/ الصورة) ثلاثيته حول حركية طقوس العزاء في الموروث الإسلامي والشيعي، بمشروع لا يزال في مراحل التدريب الأولى.
استعان بأبيات من التراث الشعري الصوفي، وبطقوس قبيلة «السلكنام»
في عرضيه السابقين اللذين شاركا في «مهرجان أفينيون» أخيراً، أخرج شحرور رقصته من أجساد النساء وحركتها العفوية، وتحديداً من راقصات غير محترفات. هكذا يواصل حالياً إحياءه للبكاء على الموتى، أمام حقيقة تحول الموت إلى فعل مستهلك، عبر حضور جسد الرجل في مراسم عاشوراء واحتفالياتها التراجيدية. ففيما تمنح هذه المراسم لحظات من الحرية المطلقة لجسد المرأة، تقيّد في المقابل الجسد الذكري بضوابط الصلابة والبطولة. يخلخل «رجال أرض النار» هذه الصورة المتوارثة عن الرجل العربي، معرياً لحظات الهشاشة والانكسار. ترافق شحرور في العمل المسرحية السورية المحترفة حلا عمران، التي تؤدي أيضاً بعض اللطميات والبكائيات، بيما يتولى التأليف الموسيقي عبد قبيسي وعلي الحوت اللذان أنجزا موسيقى «موت ليلى» أيضاً. لا ينفصل العرض عن ساحة القتال المفتوحة التي تستحضر بدورها حروباً من التراث العربي، ألزمت الرجل دائماً بالالتحاق بأرض المعركة. هكذا تُركت مهمة نقل الوقائع والنواح إلى المرأة، كما فعلت زينب ونساء كربلاء، الناجيات الوحيدات من المعركة. إلى جانب عاشوراء، قصة بطلها القاسم بن الحسن، تتعدّد مراجع العمل. استعان شحرور بأبيات من التراث الشعري العربي والصوفي، يبكي فيها رجالٌ موت رجالٍ آخرين. وفي مقاربته لمفهوم الذكورية الحديثة وأثقالها، لجأ إلى طقس بلوغ الذكور عند قبيلة «السلكنام» المنقرضة في أميركا الجنوبية. تحتمل سيرة القبيلة الجمعية طبقات وإحالات متعددة، إذ إنها تثمن القيم الذكورية بوجه الخوف، بينما تشكل علاقتها بالرجل الأبيض رمزية سياسية لمأساة الهنود الحمر بشكل عام. هذه المرجعيات الدينية والسياسية بعثت حركة الأجساد في «رجال أرض النار» الذي سنشاهده في شباط (فبراير) المقبل. يلتقط العرض أصوات النائحات لدى تلقّيهن خبر الموت، بينما يمتزج الفرح والحزن في عرس جنائزي موسيقي، أما الكوريغرافيا فقد خضعت للمسافة التي تفصل الموتى والأحياء داخل مشهد أبوكاليبتي قاتم.

* «رجال أرض النار» لعلي شحرور: عند الخامسة والنصف من مساء اليوم ــ «مسرح بيريت» في الجامعة اليسوعية (طريق الشام ــ بيروت).