في إطار نشاطتها الأسبوعي، تطل الليلة «الأوركسترا الوطنية الفلهارمونية: بقيادة عازف الكمان الأول فيها، ميشال خير الله، لتقدم برنامجاً روسياً بالكامل وفيه أعمال أوكسترالية غاية في الشهرة وهي القصيدة السمفونية «في سهوب آسيا الوسطى» لبورودين والـ «مارش السلافي» لتشايكوفسكي و«ليلة على الجبل الأصلع»، القصيدة السمفونية الرهيبة والأشهر لموسورغسكي.
البرنامج مهمّ، ممتع، لكن لا شيء فوق العادة فيه، فهذا أقلّ ما نتوقّعه من هذه الأوركسترا (بصرف النظر عن مستوى الأداء الذي نتمنّى دائماً أن يكون موفقاً). لكن على البرنامج أيضاً كونشرتو الكمان الوحيد لتشايكوفسكي (لغاية الآن لا شيء غريباً)، وعلى الكمان اسم لبناني، هو إيهاب جمال… وهذا أمرٌ ملفت. عادةً، عندما نعلم أن هذا العمل مبرمجٌ في تظاهرة موسيقية ما في لبنان، نتوقّع بكثير من الطبيعية أن من سيتولّى العزف على الكمان فيه هو أجنبيّ. إنه عملٌ غاية في الصعوبة والتعقيد، طويل نسبياً (أكثر من نصف ساعة)، في حين أن لبنان لم يُعرَف بأنه بلد عازفي الكمان، بخلاف الدول الأوروبية (أو أميركا)، ولذلك أسباب عدة، من بينها الآلة نفسها. فعازف الكمان، مهما علا شأنه، عليه أولاً أن يمتلك آلةً، أحسنها يبلغ ثمنه ملايين الدولارات (للصانع الإيطالي ستراديفاري، وتسمّى آلاته «ستراديفارسيوس» أو «ستراد» اختصاراً) أو عشرات آلاف الدولارات كحد أدنى! لهذا السبب، يلجأ الكثير من العازفين إلى استئجار آلة محترمة لبعض المناسبات أو للتسجيل في الاستوديو. أحياناً، تغطي الموهبة الاستثنائية «عيوب» الآلة العادية (عادية أي ممتازة لكن ليست «ستراد»)، وهذه هي حال إيهاب جمال، الذي لفت نظرنا في مشاركته في «بيروت ترنّم» عام 2015، وتوقعنا آنذاك أن هذا الشاب سيبرز لا محالة، ولو أن الطريق، شاق، طويل، والأسوأ… مكلِف جداً! وهنا على الدولة القيام بواجباتها لاحتضانه، ودعم المواهب المماثلة عموماً، عملياً لا بالكلام.
صحيح أننا لن نسمع اليوم، من إيهاب جمال، أداءً بمستوى جبابرة الكمان (أويستراخ أو هايفتز أو غيرهما)، لكن ما يجب التركيز والبناء عليه هو نيّة هذا الشاب وشغفه بموسيقى يحبّها، وآلة يتقنها جيداً. الخبرة والنضوج يأتيان مع الوقت، أمّا الكمان المرتّب… فألله كريم!

*الليلة 8:30 مساءً ـ «كنيسة القديس يوسف» (الأشرفية/ مونو)