رجال السياسة في لبنان يطالبون اليوم بـ «المناصفة»، ويدعون إلى زيادة مشاركة المرأة في الحياة العامة. لكن ما نفع المشاركة السياسية للمرأة إذا كانت هذه الأخيرة تستمدّ شرعيّتها وموقعها من كونها ابنة الأب «الزعيم»، أو أخته، أو زوجته، أو أرملته؟
ما نفع وجودها في مواقع المسؤوليّة والقرار والسلطة، إذا كانت هنا تابعة لإسمه، رازحة تحت عبء تركته، مصبوبة في قالب السلطة الأبويّة التي نصّبت الرجل «رأساً للمرأة»؟ ما ضرورتها إذا كانت هنا بصفتها مؤتمنة على مصالح الرجل، تتصرّف وتفكّر كما علّمها أو طلب منها… وتنظر إلى نفسها في المرآة الذكوريّة إيّاها، وتخضع لقيم وقوانين وضعها «هو» لحماية امتيازاته وهيمنته وطغيانه؟ أليست قاضية امرأة هي التي حكمت على منال عاصي، بعد موتها، بالإعدام (الرمزي) بتهمة «الزنى»، لتخفيف عقوبة زوجها القاتل؟
وما ينطبق على السلطة السياسيّة، ينطبق (من دون تعميم طبعاً) على جمعيّات مدافعة عن حقوق المرأة، تخضع لأنماط تمويل وسياسات وأجندات مرتبطة بسلطة ذكوريّة من نوع آخر، هي الاستعمار! هذا الكلام قد يبدو «ايديولوجيّاً»، من منظور الوعي الليبرالي الذي يعتبر الغرب مصدر الحريات، وقاطرة التقدّم، والمرجع الأوحد للارتقاء الحضاري. أما المعنيّون بالتحرّر الحقيقي، فيدركون أن قضيّة المرأة المقموعة لا تنفصل عن قضيّة الرجل المستغَل، ولا عن قضايا الشعوب المسحوقة المستباحة الحقوق. «الرجل» الذي نقاتل ضدّه «واحد»، من المراهق العنيف كأبيه في الحارة، إلى تاتشر وميركل وليفني ومارين لوبن… وهيلاري كلينتون قبل دونالد ترامب! هناك دور إيجابي، وربّما مهمّ، يمكن أن تلعبه هذه الجمعيّة أو تلك، في لحظة معيّنة، لكنّ «تمكين المرأة» أكثر من عنوان رنّان لجلب المساعدات. ومعركة التقدّم لا يمكنها أن تعتمد على جهود نبيلة لموظف يعيش على «المشاريع» التي يتكرّم الرجل الأبيض بتمويلها لما فيه خير البشريّة! معركة الحقوق منوطة بأحزاب وقوى وتيّارات ومجموعات نسويّة منبثقة من رحم الواقع، تنتمي إلى عمق المجتمع، وتمثّل كلّ اللواتي سيكون التغيير في مصلحتهنّ، وكل الذين سيكون التغيير في مصلحتهم.
دعونا من الأدبيات… إنّها معركة حقوق. معركة لا يقودها إلا وعي جديد مبني على القطيعة مع المنظومة الذكوريّة. إن نيل المرأة كامل حقوقها غير ممكن في غياب الدولة المدنيّة، وغير ممكن إلا بالتحرر من نير نظام سياسي مفصّل على مقاس «رجال» السلطة، ومرتهن لوصاية الطوائف.