رضخت دار «غاليمار» الفرنسية الشهيرة، أخيراً إلى ضغوط تعرّضت لها، وعلّقت خططاً لإعادة إصدار مجموعة من الكرّاسات المعادية للسامية التي اشتهر بها الروائي الفرنسي الراحل لوي ــ فردينان سيلين (1894 ــ 1961)، أحد أهم وابرز الكتاب الفرنسيين في القرن العشرين.
وكانت «غاليمار» قد اثارت ضجّة كبيرة الأسبوع الماضي بعدما كشفت عن نيّتها إعادة نشر ألف صفحة من كرّاسات ونصوص مثيرة للجدل كتبها سيلين في أواخر ثلاثينيات وبداية أربعينيات القرن الماضي. وقد هدّد المحامي والمؤرخ الفرنسي سيرج كلارسفيلد (صائد النازيين) باللجوء إلى القضاء من أجل دفع «غاليمار» إلى العدول عن خططها، مؤكداً أنّ سيلين «أثّر على جيل كامل من العملاء الذين ساهموا في موت اليهود الفرنسيين».
من جهتها، قالت «غاليمار» لـ «وكالة الصحافة الفرنسية» إنّها ستعيد خططها إلى «الرفوف». «سأعلّق هذا المشروع، لأنّ الظروف والعوامل ليست مؤاتية لإنجاز عمل مناسب منهجياً وتاريخياً»، قال أنطوان غاليمار لـ «أ ف ب». جاء ذلك بعدما لفت في وقت سابق إلى أنّ الكرّاسات والمقالات التي نفدت طبعاتها منذ العام 1945 ستوضع «في سياقها ككتابات عنيفة جداً، فيما ستتم الإشارة إلى كراهية المؤلف ومعاداته للسامية»، مضيفة أنّها تريد إصدار «طبعة نقدية» للأعمال المعادية لليهود التي شوّهت سمعة مؤلف «رحلة إلى آخر الليل» (1932).
وشدّدت دار «غاليمار» في بيانها على أنّ «كرّاسات ونصوص سيلين تنتمي إلى الفصل الأكثر شهرة في معاداة السامية في فرنسا، إلا أن الرقابة تمنع تسليط الضوء على جذورها الأيديولوجية ولا تجذب سوى الفضول غير الصحي»، موضحة أنّها «تتفهّم مشاعر القرّاء الذين قد يجدون في المشروع صدمة مؤذية أو مثيرة للقلق لأسباب أخلاقية واضحة».
وكانت أبرز مجموعة يهودية في فرنسا قد قالت، الثلاثاء الماضي إنّ النصوص المكتوبة بين العامين 1937 و1941 «دعوة مقزّزة للكراهية العنصرية والمعادية للسامية»، فيما ناشد رئيس «المجلس الفرنسي للمؤسسات اليهودية» (Crif)، فرانسيس كاليفات، «غاليمار» للعدول عن إعادة النشر.
كما شنّ أربعة مؤرخين فرنسيين بارزين هجوماً عنيفاً على «غاليمار» في مجلة L’Obs، معتبرين أنّ الفكرة في أحسن الأحوال «استراق نظر» وفي أسوأها «حنين»، وأنّها تهدّد بـ «تقديس التحريض على القتل».
علماً بأنّ سيلين فرّ من فرنسا بعد الإنزال في نورماندي في العام 1944، قبل أن يُدان غيابياً في وقت لاحق بالتعاون مع النازيين. توفي في العام 1961 ولم تكن لديه النيّة في إعادة نشر الكتابات المذكورة، إلا أنّ محامي أرملته لوسيت ديتوش (105 عاماً) وافق على الأمر قبل فترة وجيزة.