رحل بهدوء وكبرياء، كما كان دائماً في حياته العامة والخاصة.رحل، وفي قلبه وفكره غصة عما آلت إليه الجامعة التي عاشها في أعماقه، استاذاً ونقابياً ونائباً لأول امين عام لرابطة أساتذتها ورئيساً لها حين جُددت حتى التقاعد.

إنّه صادر يونس الذي عرفه الأساتذة في الجامعة اللبنانية زميلاً ناجحاً ونقابياً صلباً وقائداً لا تلين عريكته وعرفه اللبنانيون، على مختلف مشاربهم، مدافعاً عن تطوير الجامعة واستقلالها.
صادر يونس قد لا يعرفه الكثيرون اليوم من اللبنانيين، لا بل قد لا يعرفه الكثيرون من أساتذة الجامعة اللبنانية نفسها، فقد تقاعد في العام 1996، وأحيل، آنذاك، دون تجديد عقده للحؤول دون بقائه في الموقع النقابي والوطني، صلباً ومحاوراً من طراز رفيع، فانكفأ، بكبرياء، رافضاً بهرجة التكريم وحب الظهور ومكتفياً بإبداء الرأي لمن يطلبه.
ما لا يعرفه الكثيرون من أساتذة الجامعة أنّ صادر ومعه شلة من الأساتذة، بينهم نزار الزين وجليبرت عاقل، ومناخ جامعي ووطني صاعد كان وكانوا الوحيدين في العمل النقابي الذين أدرجوا النهوض بالمؤسسة التي يعملون به، الجامعة، هدفاً لعملهم مع الدفاع عن مصالح العاملين فيها، الأساتذة.
وما لا يعرفه الكثيرون، أيضاً، أنّ صادر ومن صمد من مؤسسي الرابطة في لبنان، إبان الحرب، لم ينجر في لعبة الحرب على التفريع، وكان له ولهم موقفاً واضحاً، فسارع وسارعوا، حين عُين جورج طعمة رئيساً في الهدنة الطويلة قبيل 1982، إلى تجديد التواصل مع الفروع الثانية وتجاوب معهم شلة من الأساتذة حملوا هم إعادة توحيد الجامعة، على الأقل أساتذتها، فتواصلوا، عبر لجنة متابعة، في العام 1980، رغم المعارك، وكان تحركي الأساتذة الذي قاد إلى إقرار القانون12/81.
وما لا يعرفه الكثيرون، أيضاً وأيضاً، أنّ صادر ومن صمد من المؤسسين، راكم على ما حصل في العام 1981، بإنماء التواصل ومواصلة الحراك مع الجيل الجديد من الناشطين، فكانت هيئة المندوبين في العام 1988 التي دفعت باتجاه تفريغ عدد كبير من الأساتذة وكانت هيئة التحرك في العام 1991 التي انتجت مرسوم 1658( مجلس الجامعة) وتجديد الرابطة في العام 1992.
إلا أنّ ما يعرفه الكتيرون هو رئاسة صادر لتيار بين الأساتذة مدافعاً عنهم، معيشياً وأكاديمياً، ومدافعاً أيضاً عن استقلال الجامعة وتطورها وحكم القانون فيها ودورها الوطني والديمقراطي فنجح، رغم ندوب الحرب والتدخلات السياسية، في قيادة الرابطة وتحقيق ما ينعم به الأساتذة في صندوق التعاضد وما نعموا به من سلسلة رواتب آنذاك، وما نعم به العمل النقابي في هيئة التنسيق النقابية.
وما لا يعرفه الكثيرون أنّ صادر في قيادته هذه كان محاوراً دمثاً وودوداً، رغم صلابة الموقع والموقف، فربى جيلاً من الأساتذة من كل المشارب، نجح في تحقيق مكاسب لاحقة.
وما لا يعرفه إلا المقربون والمشاركون في العمل النقابي، آنذاك، إنّ مقدمات التقارير إلى مجلس المندوبين تصلح أنّ تكون برنامجاً وطنياً في وضعها الجامعة في اطار مشروع بناء دولة القانون، دولة الوطن والمواطن.
صادر سنردد ما قاله ابو فراس «وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر»، وستبقى حاضراً في مدرسة العمل النقابي وفي مسيرة الجامعة.

*أستاذ جامعي متقاعد