أمس، التقينا نزيه أبو عفش (الصورة) بعد غياب. أتى من مرمريتا كي يقرأ «يومياته الناقصة» بدعوة من جمعية «عين الفنون» في دمشق. اليوميات التي قال عنها بأنها لن تنتهي قريباً، طالما أن التواريخ لم تعد مهمة، فمشهد الفجيعة هو نفسه في حرب تزداد ضراوة، وتكدّسُ الموتى من دمشق إلى القامشلي، فيما يرغب الشاعر باستعادة «الحياة التي نسيناها، والحياة التي نسيتنا»، و«مذاق صباح الخير»، كما استعاد قصائد قديمة من «ذاكرة العناصر»، منبهاً إلى أن «خلف هذه الوردة أشمّ رائحة موت»، و«كلانا قابيل وكلانا ذبيحة»، نافياً فكرة النبوءة في كتاباته لمصلحة الشاعر الرائي «أن نرى لا أن نتنبأ».
هكذا تجاورت الأزهار والمقابر والفراشات وحزن الأمهات ودفاتر الموسيقى في مدوّنة واحدة، في ما أسماه «عكس الشعر»، معترفاً أنه نسي صناعة الشعر كما كتبه قبلاً في «ساعة الذئب»، و«هيلين»، و«نوتردام» بعدما فقد عافيته الروحية تحت وقع همجية ما يحدث اليوم، وقال مبرّراً موقفه من «ثورات الربيع العربي»: «لم أتنكّر يوماً للثورة والعدالة والحرية، لكنني شممت رائحة الدم باكراً، فالبلدان التي تصنع الديمقراطية والأسلحة والحروب لن تسمح بالحرية وستخلعنا من الجذور». وأضاف: «عندما كتبت «ليتها لا تحدث»، نلتُ نصيبي من الشتائم والتخوين، وعندما كتبت «البيت سوف يُهدم»، ردّوا علي بأن هذا ليس بيتاً. قلت ليكن جحراً ولكن لندافع عنه، وعن الأمهات اللاتي ما زلن يبكين على موتاهن. وفي المقابل حين كتب منذر مصري «ليتها لم تكن» صفقوا له، فيما سحبوا السكاكين عليّ». وقال صاحب «الله قريب من قلبي»: «أنا لم أتغيّر، فمن كتب «كم من البلاد أيتها الحريّة»، هو نفسه الذي كتب «تعالوا نعرّف هذا اليأس»، و«ما ليس شيئاً». الحرية ديانتي منذ الأساس». وأضاف: «الحلم مثل الألم زوّادة الخاسرين، والأمل حيلة اليائسين، لكن البلاد التي كانت لن تعود، وسوريا التي كانت في الاربعينيات لن تعود أيضاً، فالمشكلة ليست جغرافية بل تتعلق بمصائرنا الفردية. أن تخاف من جارك، وأنت تصعد سلّم بنايتك، بعد اكتشافه بأنك من طائفة أخرى».