يبدو علاء أبو شاهين كمن يمدّ يده إلى خيوط الفن الرصين، لينتزع من كومتها خيط الحرير! خيط السخرية النادر. إذ كثيراً ما يجد الفنان نفسه عاجزاً عن التعبير عما حوله لشدة قسوته وبطشه ولا معقوليته، فيلجأ الى السخرية للإفصاح عما يحترق داخله.قلما اهتم النقاد والمؤرخون بالتيار الساخر في الفن، رغم أن الأعمال المنتمية لهذا التيار قديمة قدم الإنسان وتاريخه الإبداعي. فمن أوراق البردي المصرية قبل ثلاثة آلاف عام إلى الفنون اليونانية والصينية والرومانية، إلى عصر النهضة الأوروبية، وصولاً إلى العصور الحديثة...

من ينسى منحوتات دومييه الصغيرة الفاضحة لمخاتلات البرلمانيين الفرنسيين ونفاقهم في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والذين يشبهون برلمانيي العالم في مختلف البلدان؟! ومن يغيب عن باله تمثال «شيخ البلد» للرائد المصري محمود مختار، وهو ينظر حوله بتشاوف أخرق، كديك على مزبلة!
كثيراً ما تم الخلط بين السخرية والكاريكاتور، رغم الخلاف البيّن بينهما؛ فالكاريكاتور فن حديث مرتبط بالصحافة والنقد السياسي الذي عرفته أوروبا في القرن الثامن عشر، وبعدها عرفته بلادنا في أواخر القرن التاسع عشر؛ بينما السخرية تيار أقدم بكثير، وأعمق، يتناول حياة البشر، ويؤشّر إلى شروطهم الإنسانية ومآسيهم وتناقضاتهم بقالب عابث.
تنتمي أعماله إلى فنّ السخرية المشغول بالهموم الاجتماعية


تنتمي أعمال علاء أبو شاهين إلى هذا التيار الثاني المشغول بالهموم الاجتماعية. وهو بدأ دربه الساخر إثر تخرجه من كلية الفنون الجميلة في دمشق عام 2006 باللجوء إلى عالم الحيوانات ليعبّر بأكثر الأشكال حدّة ومرارة عن عوالم البشر! فبدأ بمنحوتات الحديد الملحوم لدجاجات حمقاء تتلفّت حولها بتعالٍ؛ ثم أردفها بعد ذلك بسنوات بمجموعة كلاب مسعورة متهيئة لنهش كل ما يقع في طريقها؛ وصولاً إلى مجموعته الأخيرة: «الحمير». إمعاناً في السخرية من غبائها، جعلها كبيرة الرأس؛ أكبر من جسدها نفسه أحياناً.


ما يلفت النظر في أعمال أبو شاهين سويتها الفنية؛ إذ بعكس كثيرين ممن يمسكون بالمعنى ويفلت منهم المبنى، يمسك هو بطرفي المعادلة بقوة وعفوية واضحة. نرى ذلك مثلاً في اهتمامه بالسطوح العريضة المتزاوجة مع السطوح الضيقة، واللمسات المتوترة. وهو بهذا يضع عمله في مصاف أعلى من مئات الأعمال النحتية «الرصينة» ذات السطوح الرخوة، والتي لا تفوق رخاوة سطوحها وملامسها إلا رخاوة أفكارها!
يتمنى المرء لو أتيحت لأعمال أبو شاهين أن تتجسد بأحجام كبيرة في ساحات عامة، لتكون دجاجاته، وكلابه، وحميره موضع متعة بصرية للجمهور العام من جهة، ومن جهة أخرى موضع تأمل في ما آل إليه حالنا، ونحن نرى الغباء والعنف والغطرسة السفيهة تخيم كالكابوس على حياتنا الاجتماعية والسياسية.

* «الحمير» لعلاء ابو شاهين: حتى 14 نيسان (أبريل) ــــ صالة Art on 56 (الجميزة) ــ للاستعلام: 01/570331
* تشكيلي سوري