مع غياب د. حسن مشرفية تخسر الجامعة اللبنانية استاذاً من أكبر اساتذتها. كان د. مشرفية استاذاً متفوقاً في عطائه الأكاديمي. كان عميداً مخلصاً لكلية العلوم ادارها بحكمة وتفاني النساك: حدّث منهاجها فاستطاعت ان تنافس اهم الجامعات الكبرى وتمكنت من اقفال جامعات خاصة، وكان انتماء الطلاب ونجاحهم في هذه المؤسسة بطاقة دخول الى كل جامعات أوروبا وأميركا. وقد تمكن هؤلاء الطلاب من التفوق في دراساتهم.
كان هو القائد الفصلي لتحرك الأساتذة من اجل قيام قانون التفرغ، لا بل كان هو الذي صاغ نص هذا القانون، والمعروف ان نتائجه كانت خيراً على الجامعة.
كان صاحب نظرة بعيدة فقد امن المنح للطلاب المتفوقين في كل الاختصاصات، وكذلك امّن المنح للأساتذة الذين يمارسون التدريس، وقد انعكس كل ذلك على جودة التعليم.
أرسى تقاليد اكاديمية تحترم سلطة القانون في الجامعة، وترتكز على المجالس والأخذ باقتراحاتها ولكن في ظل وجود لجنة قانونية كانت تدرس كل المعاملات فلا ترضخ لتدخل مسؤول ولا تمالئ ضغوط نافذ.
عرف ان البنية التحتية والابنية اللائقة هي الشرط اللازم لقيام الجامعة بمهماتها. من هنا كفاحه المستمر، مع زملائه، من اجل تأمين الأرض للمدينة الجامعية، وتاليا كان الساهر الدائم على انجاز مبنى كلية العلوم. وقد اقنع الرئيس شارل حلو بضرورة إعطاء الدولة الأولوية لهذا المشروع فجاء هذا الإنجاز ثمرة نضال للحركة الطلابية وللهيئة التعليمية، يضاهي في حداثته أعرق الجامعات في العالم وكان التدشين في 26/6/1970.
كان الدكتور حسن مشرفية شخصاً متواضعاً، عفيف اللسان، مثقفاً، يعرف أهمية التعليم العالي في عملية الانماء الوطني. وكان فارساً مقداماً شديد البأس إذا فرضت عليه مواجهة المسؤولين دفاعاً عن تقدم الجامعة. كان رجل دولة برهن عند استلامه وزارة التصميم انه من طينة أخرى في الممارسة السياسية.
غاب د. حسن مشرفية، وسيدفن في الخارج. فهل يعلم وزير الوصاية على الجامعة ان بعض الجهات النافذة نزعت اللوحة التي تشير الى اسمه عند مدخل كلية العلوم والتي وضعت في زمن تدشين الافتتاح؟! وذلك بدل ان يسمى المبنى باسمه لأنه هو الذي سهر على إنجازه؟ وكيف يسكت المسؤولون – داخل الجامعة وخارجها – عن تشويه التاريخ وعدم احترام إنجازات الكبار؟!
في زمن انهيار القيم الاكاديمية، وفي زمن تمرير رئيس ومجلس الجامعة معاملات غب الطلب (ادخال بعض الأساتذة المتعاقدين بالساعة الى الملاك استناداً الى خلفيات سياسية مع تجاوز الأعراف والقوانين) ؟!
وفي زمن استهتار المسؤولين بحقوق الأساتذة (عد اعطائهم 18% غلاء معيشة، وتهديد امنهم الصحي والاجتماعي من خلال الانقضاض على صندوق التعاضد، والزعم انهم يسعون للإصلاح في مؤتمر باريس من خلال تخفيض رواتب المتقاعدين، هذه الرواتب التي دفعوا اضعافها من خلال توقيفات فرضت عليهم اثناء الخدمة، والاحجام عن تطبيق قانون التفرغ وإبقاء المتعاقدين بالساعة شهوراً وسنوات دون رواتب؟!).
في هذا الزمن يغيب الكبير د. حسن مشرفية الذي أخلص لقضية الجامعة ودافع عنها بشرف وعلم واخلاق ووطنية. ولكن اسمه، مع زملائه الكبار، سيبقى محفوراً في كل قلب وعقل أحب العلم والوطن، وستستمر سيرته نبراساً ينير الطريق لشباب وعلماء الوطن.

(*) مؤرخ وباحث لبناني.